Page 31 - m
P. 31
29 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
العارفين بالله ،وعند حاتم
الأطير أصل من أصول
الإسلام .الفهم البلاغي
المدرسي القديم عند
قراءة الصورة البلاغية
«القمر المسامر مسلم ،قد
صام طول نهاره ..وأحب
للشمس» ،تقول إن الشاعر
جعل من القمر إنسا ًنا،
حذف الإنسان وكنى
عنه بالمسامرة والصوم
والحب ،لكن أليس من
حقنا أن نفهم الصورة
بطريقة مغايرة أكثر عم ًقا،
فنقول إن القمر هنا على
مصطفى ناصف صلاح عبد الصبور حاتم الأطير خلاف الفهم السابق هو
المانح للإنسان معنى
العربية الحقة ،إن المعرفة تبصر واستكشاف ،لا العطاء والإيثار ،فمن حقنا
حفظ وتناقل للمأثور المنقول ،وهيام بالصرامة
والوضوح ،كل تبصر في حاجة إلى البحث عن أن نفهم الكلمات فه ًما يقوم على التفاعل لا على
روابط وثيقة بين السماوي والترابي .فقليل من الاستبدال.
يعرف للنور وجها إنسانيًّا .ولا معرفة بلا روح.
لقد قال الشاعر في توطئته إنه مريض بالضوء
ألف الله بين السما والإمام الترابي
سبحان من ألفا.. والأبدية ،المرض هنا شغف ،المرض قرين استعذاب
النور رمز معرفة ورمز إنسانية غائبة ،يتودد الضوء ،والضوء حاضر في الديوان بصورة لافتة،
الشاعر لخصمه حين يسميه صاحبي في المقطع
السالف ،لكنه لا يتوقف عن محاججته ،فيطلق للنور الضوء نور ،والنور هداية ،النور عطاء رباني
مث ًل آخر ،مث ًل لمعرفة تساوي بين صنوف البشر
للراحة والسكون ،لكن لمن رنا ،ولترى البخاري في
ولا تفرق ،مث ًل لنور الدعوة المحمدية في مهده
الأول في المدينة ،لثورية الإسلام الهادئة ،وتحولاته شعرية الأطير:
الراشدة ،التي تجعل الليل يسطع ،هذه جملة تحتاج
كلما بان ضوء عليم رنا
أن تتأملها في سياقها الشعري ،يقول حاتم:
أرني المدينة فالهلال هناك ألمع أو بدت خطوة للحبيب اقتفى
والضمير هناك مسقي بضوء الآدمية من هنا يطلع الحق يا صاحبي
والبيوت الخضر حبلى بالرجال
من ضمير منير
هناك ينتصر الصراط على السياط
ويضحك الريحان للناس السليمة فكن منصفا
والقلوب تفر من أقفالها عادة ما تبوح السما
الليل يسطع يا حمامة
للبصير الجميل
الذي عاش مستكشفا.
هذا درس في المعرفة ُينسج من كلمات ،ل ُيحرر
البخاري من فرديته و يصبح نموذ ًجا يقتدى به،
ضروري أن تعرف ،أن تنظر نظرة البصير الجميل،
أن تعيش مستكش ًفا ،فلقد فقدت معرفتنا -في ضوء
ما أسماه بعضنا حداثة -أص ًل من أصول معرفتنا