Page 164 - m
P. 164

‫العـدد ‪58‬‬                              ‫‪162‬‬

                               ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬                       ‫طرق مختلفة لقراءة وتأويل‬
                                                                ‫القرآن‪ ،‬بينما يمكنها التركيز‬
    ‫واحد‪ .‬ويجادل كويبرس‬          ‫تجاه دراسة القرآن بشكل‬          ‫على جانب واحد من الكتاب‬
       ‫‪-‬كغيره من الباحثين‬           ‫ُكليٍّ‪ ،‬بد ًل من التحليلات‬
                                                                     ‫والبحث عن المعاني من‬
     ‫البنيويين الذين فحصوا‬       ‫المحدودة سواء كل آية على‬        ‫خلال تلك العدسة‪ .‬لا يمكن‬
    ‫التنظيم البنيوي للعناصر‬     ‫حدة أو المخصصة لمقطع أو‬            ‫أن تظل التسميات الملائمة‬
  ‫الإيقاعية للقرآن‪ ،‬مثل‪ :‬بيير‬
    ‫كرابون دي كابرونا‪ -‬أن‬         ‫جزء ما من أجزاء القرآن‪.‬‬           ‫مثل “النهج الموضوعي”‬
    ‫هذا المنطق ُيدرك بتحديد‬        ‫تسعى المقاربات البنيوية‬              ‫و”الدراسة الأدبية”‬
‫تراكيب مثل‪ :‬التقابل العكسي‬         ‫للقرآن إلى تفسير المنطق‬
   ‫والتوازي على مستوى ك ٍّل‬      ‫الداخلي للمعنى القرآني عن‬        ‫و”التحليل الدلالي” متميزة‬
    ‫من الكلمة والآية والمقطع‬   ‫طريق الاستفادة من مجموعة‬         ‫ح ًّقا عندما تفسر جميعها‪ ،‬إلى‬
                                   ‫المبادئ اللغوية والجمالية‬
     ‫والسورة‪ ،‬كما ينظر إلى‬         ‫الملزمة‪ ،‬تلك المبادئ تضم‬       ‫حد ما‪ ،‬جوانب مختلفة من‬
    ‫القرآن نظرة سانكرونية‬           ‫إشارات دلالية وبلاغية‬       ‫القرآن من أجل الوصول إلى‬
  ‫تزامنية‪ .‬هذا النهج يميزهما‬
    ‫عن غيرهما من المفسرين‬            ‫ورمزية وتروبولوجية‬                  ‫استنتاجات مفيدة‪.‬‬
                                   ‫(تفسير المعنى المجازي)‬          ‫من المؤكد أن محتوى تلك‬
      ‫التقليديين‪ ،‬والمؤرخين‬         ‫يتوقع من فحصها فهم‬           ‫المقاربات الجديدة لا يختلف‬
    ‫والباحثين الآخرين الذين‬          ‫وسبر معاني التراكيب‬         ‫تما ًما عن التفسير التقليدي‪،‬‬
   ‫حاولوا تحديد «تحقیب»‬           ‫البنيوية المعقدة في القرآن‪.‬‬    ‫والذي يمكن أن نلاحظه من‬
  ‫لسور القرآن يقوم بصورة‬                                           ‫خلال بعض السمات التي‬
   ‫أساسية على فحص الأدلة‬             ‫وأي ًضا من خلال تتبّع‬          ‫يهتم بها هؤلاء الباحثين‬
                                  ‫مواضع مختلف العناصر‬
      ‫التاريخية الموجودة في‬       ‫الشكلية والموضوعاتية في‬            ‫المعاصرين‪ ،‬بما في ذلك‬
      ‫السياق‪ ،‬وبرغم أن تلك‬                                          ‫تحديد العناصر المعجمية‬
  ‫المقاربات تعد حديثة نسبيًّا‬       ‫السورة‪ ،‬يتضح أن تلك‬             ‫الأجنبية وموقف القرآن‬
  ‫وكانت نتيجة لمدارس الفكر‬       ‫النظريات تسعى إلى تقسيم‬            ‫من الديانات الإبراهيمية‬
  ‫البنيوي في أوروبا ‪-‬فرنسا‬       ‫الوحدات الكبيرة؛ كالسورة‬         ‫الأخرى‪ .‬وكذلك فقد أثرت‬
     ‫على وجه الخصوص في‬          ‫أو الأقسام منها‪ ،‬إلى وحدات‬        ‫هذه الأعمال النقد َّية على ما‬
    ‫الستينيات‪ -‬غير أن المرء‬       ‫أصغر مح َّددة جي ًدا‪ ،‬سعيًا‬    ‫هو أبعد من مجرد التفسير؛‬
    ‫لا يجدها غير معقولة أو‬     ‫إلى ربط الأجزاء بالكل‪ .‬تتمثل‬         ‫إذ انعكست على الخطاب‬
  ‫مفاجئة‪ ،‬لا سيما أن القرآن‬     ‫إحدى الميزات الرئيسية لهذه‬
     ‫يتلاءم مع أنماط بنيوية‬       ‫المقاربات في أنها لا تساعد‬          ‫القرآني بطرق تستلزم‬
‫للتفسير؛ إذ نرى أن أحد أبرز‬                                      ‫النظر‪ ،‬بصورة أوسع وأكثر‬
‫سمات القرآن هي مرونته في‬            ‫فقط في تشريح التنظيم‬         ‫شمو ًل‪ ،‬في الجوانب المتعلقة‬
   ‫التحرك بين مختلف أنواع‬         ‫الشكلي للسورة‪ ،‬بل أي ًضا‬
 ‫الخطاب‪ ،‬بد ًل من الاستمرار‬    ‫العلاقات الجمالية والتسلسل‬         ‫بشكل القرآن‪ ،‬بما يتجاوز‬
‫في سردية تاريخية متواصلة؛‬        ‫الزمني بين السورة المفردة‬          ‫الآية المفردة أو السورة‪،‬‬
‫ففي مواضع مختلفة يخاطب‬         ‫والقرآن في كليته؛ فعلى سبيل‬
  ‫محم ًدا مباشرة ‪-‬داع ًما‪ ،‬أو‬   ‫المثال يقوم ميشيل كويبرس‬          ‫ويعد «إعجاز القرآن» لعبد‬
 ‫موج ًها له على سبيل المثال‪-‬‬       ‫البنيوي الشهير‪ ،‬بتطبيق‬       ‫القاهر الجرجاني مثا ًل بار ًزا‬
    ‫ويصف أحدا ًثا مستقبلية‬       ‫نظرية البلاغة السامية على‬        ‫على ذلك‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإ َّن ما‬
‫أبرزها يوم القيامة‪ ،‬ويضرب‬        ‫القرآن‪ ،‬مؤس ًسا تأويله على‬
                                   ‫فرضية تقول بأن جميع‬             ‫استجد على تلك المقاربات‬
                                 ‫السور منظومة وف ًقا لمنطق‬       ‫الحديثة هو التركيز الشديد‬
                                                                ‫على هذه الأبعاد‪ ،‬إذ لم يسبق‬
                                                                ‫وأن كانت هناك نزعة شائعة‬
   159   160   161   162   163   164   165   166   167   168   169