Page 168 - m
P. 168

‫وبنا ًء على نظرية نويفرت‪،‬‬                                  ‫العـدد ‪58‬‬                            ‫‪166‬‬
    ‫يجب أن تكون أي سورة‬
    ‫قابلة للتوضيح من ناحية‬                                                     ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬    ‫تاريخيًّا‪ ،‬فقد وجدت العديد‬
    ‫بنيتها ووظائفها‪ ،‬وتغطي‬                                                                       ‫من المقاربات لـ(تحقيب‬
     ‫كتاباتها مجمل العناصر‬       ‫فعال؛ إذ تر ِّكز على الإشارات‬                                  ‫القرآن) ‪-‬دراسة الترتيب‬
  ‫الشكلية والموضوعاتية التي‬          ‫الداخلية في القرآن نفسه‬
   ‫حددتها في النص القرآني‪،‬‬           ‫بوصفها المصدر الموثوق‬                                      ‫الزمني للقرآن‪ -‬فيما بين‬
   ‫وبالتالي يجب أن تكون كل‬                                                                    ‫مفسريه؛ فاعتمد المفسرون‬
      ‫سورة قادرة على إثبات‬         ‫الوحيد لعملية التحقيب‪ ،‬إذ‬
 ‫الاستبصارات الرئيسية عند‬          ‫تشير منهجيتها ضمنيًّا إلى‬                                      ‫المسلمون الكلاسيكيون‬
 ‫نويفرت‪ .‬وبرغم عدم احتواء‬        ‫المشاكل المحتملة عند الاعتماد‬                                 ‫بصورة كبيرة على أحداث‬
‫أي سورة على جميع العناصر‬          ‫على السيرة لتحقيب القرآن‪،‬‬                                   ‫السيرة النبوية لتحديد متى‬
  ‫التي حددتها إ َّل أن نظريتها‬   ‫وتع ِّزز مقاربتها قدرة القارئ‬                              ‫نزلت السورة أو المجموعة من‬
    ‫يجب أن تكون قادرة على‬          ‫على تحديد المرحلة الزمنية‬                                ‫الآيات‪ ،‬فترتبط الآيات بحادثة‬
  ‫تبرير الخصائص الموجودة‬         ‫التي أُوحيت بها سورة‪ ،‬بنا ًء‬                                  ‫أو بفترة من السيرة عندما‬
     ‫في أي سورة‪ ،‬إضافة إلى‬       ‫على الوضعية وتكرار القافية‬                                     ‫تكون هذه الآيات منطقيًّا‬
  ‫أن أي سورة تربطها بفترة‬                                                                    ‫متصلة ب ُمتل ِّقي القرآن‪ .‬ومن‬
   ‫معينة من الوحي يجب أن‬              ‫والموضوعات والسمات‬                                    ‫منتصف القرن التاسع عشر‪،‬‬
   ‫تحتوي على العناصر التي‬          ‫الأسلوبية في بنية السورة‪.‬‬                                    ‫بدأ المستشرقون المهتمون‬
   ‫تح ِّددها ضمن هذه الفترة‬      ‫وهكذا فإن النظريات البنيوية‬                                  ‫بالقرآن بالسعي إلى ترتيب‬
 ‫بمفردها‪ ،‬أي ليس بمصاحبة‬                                                                       ‫السور ترتيبًا كرونولوجيًّا‬
                                      ‫حول القرآن تبذل جه ًدا‬
              ‫فترات أخرى‪.‬‬          ‫كبي ًرا لتقدم برها ًنا مف َّص ًل‬                               ‫(تحديد الأحداث حسب‬
   ‫تصوغ نویفرت دراستها‬                                                                          ‫الفترة الزمنية) ومن بين‬
 ‫مستخدمة لغة علمية‪ ،‬خاصة‬              ‫على كيفية تنظيم القرآن‬                                ‫مؤلفاتهم‪ ،‬أصبح كتاب تاريخ‬
                                  ‫بالضبط‪ .‬ووف ًقا لمؤيدي تلك‬                                  ‫القرآن (‪ )١٨٦٠‬لـ»تيودور‬
       ‫في كتاب (الدراسات)‪،‬‬         ‫النظريات‪ ،‬فإن القرآن ليس‬                                      ‫نولدكه» الأكثر مرجعية؛‬
   ‫مؤكد ًة على اعتباره تحقي ًقا‬  ‫منطقيًّا فحسب‪ ،‬بل إنه يعمل‬                                     ‫فبحثه يستخدم الموضوع‬
                                    ‫على منطق مفهوم بالنسبة‬                                     ‫أسا ًسا للكرونولوجيا‪ .‬بعد‬
      ‫يقارب القرآن على نحو‬        ‫للقارئ الغربي‪ ،‬بشرط فهم‬                                     ‫ذلك‪ ،‬أثار عدد من الباحثين‬
 ‫علمي‪ .‬وبالنسبة إلى الجداول‬        ‫التنظيم البنيوي للن ِّص على‬                                ‫الغربيين سؤا ًل حول ما إذا‬
 ‫والمخططات البيانية الموجودة‬                                                                  ‫كانت السيرة بنيت استنا ًدا‬
‫بكثرة في أعمالها‪ ،‬فإنها تخلف‬                     ‫نحو سليم‪.‬‬                                  ‫إلى التخمينات بأسباب النزول‬
                                     ‫إن ربط كل سورة أو ك ِّل‬                                  ‫وليس العكس‪ .‬وقد قاد هذا‬
    ‫طابع التصنيف والحصر‬           ‫مجموعة من الآيات بواحدة‬                                      ‫التطور بعض الباحثين إلى‬
   ‫لكل العناصر الموجودة في‬         ‫من الفترات الزمنية الأربع‬                                     ‫الانصراف عن المؤرخين‬
‫السور المكية‪ .‬كما يعكس نوع‬        ‫لنبوة محمد يجعل الوصول‬                                         ‫المسلمين عام ًة بوصفهم‬
    ‫المفردات التي تستخدمها‬                                                                  ‫مصادر غير موثوقة‪ ،‬منتقلين‬
    ‫التقليد الأكاديمي الألماني‬         ‫إلى الكتاب أيسر‪ ،‬حيث‬                                  ‫إلى وثائق بديلة ليتسنى لهم‬
   ‫الذي تنتمي إليه‪ ،‬كما يمثل‬           ‫تبدو السور منظمة في‬                                   ‫بناء سردية لتاريخ الإسلام‬
   ‫نو ًعا من الحذر ربما يكون‬      ‫مجموعات نستطيع قراءتها‬
   ‫مفهو ًما لأقصى درجة عند‬          ‫على أنها تط ُّور يمكن فهمه‬                                                   ‫المبكر‪.‬‬
                                      ‫ضمن السياق التاريخي‬                                         ‫من منظور شكلي‪ ،‬فإن‬
     ‫التعامل مع نص مق َّدس‬           ‫للتاريخ الإسلامي المبكر‪،‬‬                                 ‫نويفرت قد وضعت نفسها‬
                                    ‫وكل تركيب سورة يشكل‬                                           ‫بين التقليدين على نحو‬
                                  ‫مجموعة من البني الأصغر‪،‬‬
                                   ‫التي تتيح للقارئ ‪-‬بمجرد‬
                                     ‫تصنيفها ووصفها‪ -‬فهم‬
                                      ‫ما تدور السورة حوله‪.‬‬
   163   164   165   166   167   168   169   170   171   172   173