Page 170 - m
P. 170

‫العـدد ‪58‬‬                                 ‫‪168‬‬

                                   ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬                         ‫الآيات إلى مبحث أو موضوع‬
                                                                         ‫أساسي واحد‪ .‬وحدود تلك‬
   ‫حيثيات الدراسة ذاتها غير‬        ‫الأقسام الموجودة في مواضع‬              ‫المجموعات التي تميز هذه‬
                     ‫علمية‪.‬‬          ‫متوقعة من السورة‪ ،‬نتمكن‬             ‫الآيات عن المقاطع المجاورة‬
                                        ‫من ملاحظة أن الكلمات‬
       ‫***‬                             ‫التي تتكون منها الآية أو‬        ‫في السورة‪ ،‬من شأنها‪ ،‬حسب‬
                                        ‫السورة مرتبطة بعضها‬             ‫المنطق البنيوي‪ ،‬أن تشير إلى‬
       ‫وكما رأينا‪ ،‬فإن القوة‬           ‫ببعض؛ فتصنف نويفرت‬                ‫موضع نهاية هذا الموضوع‬
   ‫التنظيمية للتحليل البنيوي‬        ‫بعض الأقسام مث ًل كمقاطع‬             ‫تحدي ًدا‪ ،‬وهنا يحدث الفصل‬
                                       ‫تقديمية‪ ،‬في حين أنها لن‬         ‫بين الأقسام بفضل الاختلاف‬
      ‫تكون بالتالي سلا ًحا ذا‬           ‫تكون كذلك إلا إذا كانت‬         ‫الجوهري في مضمون الآيات‪،‬‬
    ‫حدين؛ ففي الوقت نفسه‬              ‫ستقدم ما يليها‪ .‬وتقتضي‬                ‫فيكون إذن للقسم التالي‬
                                     ‫وظيفة التقديم علاقة معينة‬           ‫للسورة موضوع أو مبحث‬
       ‫الذي يقدم فيه خارطة‬            ‫بين المقطع التقديمي الذي‬             ‫مختلف‪ .‬تصنف نويفرت‬
      ‫تفصيلية وسهلة المأتى‬             ‫يلمس فيه آثار ما يقدمه‪.‬‬            ‫هذه الموضوعات من حيث‬
     ‫وشاملة –ظاهر ًيا‪ -‬لفهم‬             ‫وتعد هذه الوظيفة مثا ًل‬        ‫وظيفتها البلاغية‪ ،‬فعلى سبيل‬
  ‫القرآن‪ ،‬فإنه َي َّد ِعي مراعاته‬        ‫أوضح على أن الأقسام‬                ‫المثال في تناولها لسورة‬
 ‫النص بكامله‪ ،‬واض ًعا أجزاءه‬             ‫المكونة للسورة ليست‬               ‫القلم‪ ،‬تتكون السورة من‬
    ‫المكونة في مواضع نهائية‬                                             ‫ثلاثة أقسام هي‪ :‬الدفاع عن‬
 ‫حاسمة مرتبطة مع بعضها‪.‬‬            ‫منفصلة فع ًل‪ ،‬وبالتالي ليست‬          ‫النبي‪ ،‬وأمثلة عقاب المكذبين‪،‬‬
   ‫بالنسبة إلى نويفرت‪ ،‬يعني‬          ‫ثابتة وممركزة‪ ،‬فالوظائف‬             ‫والجدل حول الوحي‪ .‬وعند‬
   ‫ذلك تحديد أقسام متميزة‬                                              ‫تقرير الموضوعات والوظائف‬
   ‫لكل سورة‪ ،‬وتصنيف كـل‬             ‫الأخرى التي تعينها نويفرت‬
 ‫ســورة وفقا للفترة الزمنية‬          ‫في أقسام السورة‪ ،‬أو التي‬          ‫الرئيسة الخاصة بكل من هذه‬
‫‪-‬المكية المبكرة أو الوسطى أو‬                                            ‫الأقسام التكوينية‪ ،‬فعلى المرء‬
‫المتأخرة‪ ،‬أو المدنية‪ -‬بنا ًء على‬    ‫من الممكن تعيينها في المطلق‪،‬‬
  ‫وظائف الأقسام والعناصر‬                  ‫تعمل بالطريقة نفسها‬            ‫أن يعي ما المركزي في هذه‬
  ‫الشكلية الموجودة فيها‪ .‬هذا‬                                           ‫الآيات‪ ،‬والأساس المرتكن إليه‬
 ‫المنهج يفكك النص إلى أجزاء‬           ‫بالارتباط بعضها ببعض‪.‬‬            ‫هذا البناء‪ .‬في هذه الحالة‪ ،‬فإن‬
  ‫مقسمة جي ًدا‪ ،‬جاعلها أيسر‬        ‫ولكن نظ ًرا لتعريفها على نحو‬
 ‫وبالتالي أقل غرابة‪ ،‬وفي هذه‬                                             ‫تحديد بناء كهذا يقيد هدف‬
 ‫المرحلة يكون مثي ًرا للاهتمام‬        ‫علائقي بالضرورة‪ ،‬فإنها‬               ‫الدراسة بمحاولته تحديد‬
‫ملاحظة أن ممارسي البنيوية‬            ‫ليست منفصلة أو مستقلة‪،‬‬                ‫وتقييد أي معنى محتمل‪.‬‬
  ‫المؤثرين قد استخدموا هذه‬           ‫بل إنها تتحدث إلى الأقسام‬               ‫لا يمكن لانسياب اللغة‬
‫الطريقة لتسهيل مقاربة وفهم‬            ‫الأخرى وتتضمن إشارات‬                  ‫القرآنية في هذا السياق‪،‬‬
‫ما هو غريب‪ .‬وفي كتابه الفكر‬          ‫إليها‪ ،‬سواء جاورتها أم لا‪.‬‬           ‫وفي المطلق أي ًضا أن يسمح‬
 ‫الوحشي‪ ،‬أجرى «كلود ليفي‬            ‫قد يتخيل المرء أن هذا النوع‬           ‫بهذا التحديد‪ ،‬إذ لا تنفصل‬
‫شتراوس» دراسة حول العقل‬
  ‫الهمجي أو «البدائي» ليثبت‬            ‫من الديناميكية قد ُيراعى‬        ‫الأقسام التي يمكننا تحديدها‬
    ‫أن له «البنى» نفسها التي‬          ‫في دراسة تهدف إلى بحث‬                ‫في أي سورة عن بعضها‬
    ‫لدى العقل المتحضر‪ .‬وقد‬          ‫القرآن بوصفه ن ًّصا شفاهيًّا‬
 ‫واصل استخدام نفس الثيمة‬              ‫متل ًّوا‪ ،‬كما ُتع ِّرفه نويفرت‪،‬‬    ‫كليًّا‪ ،‬وتبقى مرتبطة بعضها‬
   ‫في تفسير ما هو غريب في‬           ‫بالطريقة غير الخطية الكائن‬             ‫ببعض‪ .‬حتى بإلقاء نظرة‬
                                   ‫عليها القرآن‪ ،‬إلا أن هذا ُيظهر‬          ‫خاطفة على زعم نويفرت‬
                                      ‫اضطراب حيثيات التأويل‬               ‫بأن هناك أنوا ًعا معينة من‬
                                       ‫البنيوي‪ ،‬وبالتالي تصبح‬
   165   166   167   168   169   170   171   172   173   174   175