Page 172 - m
P. 172

‫العـدد ‪58‬‬                            ‫‪170‬‬

                                  ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬                      ‫أتحدث عنه هو الخطأ الذي‬
                                                                     ‫ارتكبه الغرب في معالجته‬
   ‫والمرتبط لكل من (الكتاب)‬            ‫نسخة نهائية (مق َّدسة‪/‬‬      ‫الأولى للثقافات والجماعات‬
 ‫و(القرآن) أوضح الإشارات‬          ‫معتمدة ومك َّرسة) من الكتاب‪،‬‬   ‫الدينية غير الغربية؛ إذ تصور‬
                                   ‫ثم ظهر بعد ذلك في صيغتيه‬         ‫النص المقدس شيئًا أُ ْر ِسل‬
    ‫إلى هذا التعقيد‪ .‬ورغم أن‬                                      ‫‪-‬ربما كلمة بكلمة‪ -‬من عالم‬
      ‫ماديخان يؤكد على أن‬           ‫المكتوبة والشفاهية‪ .‬كما أن‬     ‫آخر‪ ،‬وتخيل أن ن ًّصا معينًا‬
                                     ‫الإشارة إلى القرآن بصفته‬       ‫ليس مو ًحى به من السماء‬
    ‫المصحف بصورته المادية‬             ‫شفاهيًّا فقط؛ أو على نحو‬       ‫فإنه بالتالي ليس مقد ًسا؛‬
     ‫غير مركزي في المجتمع‬            ‫أساسي‪ ،‬تفشل في مراعاة‬         ‫لذلك نظر الغرب إلى القرآن‬
                                                                     ‫على أنه ليس ن ًّصا مقد ًسا‬
  ‫المسلم‪ ،‬إلا أنه يعقد العلاقة‬         ‫التعريف الذاتي للقرآن‪.‬‬    ‫حقيقيًّا‪ ،‬بل ليس ن ًّصا مقد ًسا‬
    ‫بين مصطلحي (الكتاب)‬              ‫فالقرآن يستخدم مصطلح‬         ‫على الإطلاق‪ ،‬و ُد ِر َس وعولج‬
    ‫و(القرآن)‪ ،‬مشي ًرا إلى أن‬                                    ‫ليس بصفته كتا ًبا مقد ًسا‪ ،‬بل‬
                                       ‫الكتاب بصورة متك ِّررة‪،‬‬
  ‫«ريتشارد بيل»‪ ،‬المستعرب‬            ‫وهي كلمة عادة ما تترجم‬             ‫كسائر الكتب العادية‪.‬‬
   ‫البارز ومترجم القرآن‪ ،‬قد‬          ‫إلى الكتاب ‪ ،Book‬رغم أن‬
                                      ‫«دانييل ماديان» قد أظهر‬           ‫***‬
    ‫وضع حدو ًدا قاطعة بين‬
               ‫المصطلحين‪.‬‬              ‫على نحو مقنع أن معناه‬        ‫تصر نويفرت وتؤكد أنها‬
                                        ‫أكثر تعقي ًدا مما تعكسه‬     ‫تقدم قراءة للقرآن بوصفه‬
     ‫يرى بعض الباحثين أن‬           ‫إحالته إلى الإنجليزية‪ .‬فليس‬   ‫ن ًّصا شفاهيًّا متل ًّوا‪ ،‬ولا يمكن‬
‫المصطلحين لهما نفس المدلول‬           ‫القرآن شفاهيًّا فحسب ولا‬    ‫إنكار أن القرآن كان وما زال‬
                                    ‫هو مكتوب فحسب‪ ،‬ولا هو‬           ‫شفاهيًّا‪ ،‬فهو متل ٌّو بصورة‬
    ‫في بعض استخداماتهما‪.‬‬              ‫بالضرورة إ َّما أحدهما أو‬   ‫جماعية ومسمى ليعكس هذا‬
   ‫وبغض الطرف عن الجدل‬            ‫الآخر‪ ،‬فهذا النوع من التمييز‬    ‫الوضع‪ ،‬بيد أن هذه التسمية‬
   ‫المستمر حول متى وكيف‬             ‫يتجاهل العلاقة المعقدة بين‬
  ‫ُج ِم َع ْت أجزاء القرآن للمرة‬        ‫الكتابة واللوغوس‪ ،‬كما‬        ‫اللافتة للنظر تتجاهل أن‬
 ‫الأولى‪ ،‬إلا أن المصادر تشير‬        ‫يتجاهل الطرق المحددة التي‬                    ‫القرآن يتلى‬
                                     ‫أشار بها القرآن إلى نفسه‪.‬‬
     ‫بوضوح إلى عدم وجود‬                ‫ويعد الاستخدام المتكرر‬                 ‫و ُيكتب على ح ٍّد‬
     ‫لحظة معينة أصبح فيها‬                                                      ‫سواء‪ .‬وحتى‬
    ‫القرآن شفاهيًّا أو أصبح‬                                                       ‫إذا اخترنا‬
  ‫فيها مكتو ًبا‪ .‬وحتى بالنظر‬                                                  ‫فحص الوثائق‬
  ‫إلى مركزية النقل الشفاهي‬                                                         ‫التاريخية‬
                                                                                   ‫يتضح أن‬
                                                                               ‫عملية تسجيل‬
                                                                                   ‫القرآن قد‬
                                                                                 ‫بدأت مبك ًرا‬
                                                                                  ‫واستمرت‬
                                                                                ‫لفترة طويلة‬
                                                                                  ‫قبل اعتماد‬
   167   168   169   170   171   172   173   174   175   176   177