Page 171 - m
P. 171

‫حول العالم ‪1 6 9‬‬                    ‫الشاملين لأبنيتنا النظرية‪،‬‬     ‫كتابه «مدارات حزينة» الذي‬
                                     ‫ويشير إلى نقص تكويني‬           ‫أصبح ن ًّصا بنيو ًّيا بامتياز‪.‬‬
  ‫البشري‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪:‬‬          ‫في النظريات التي نطبقها‬
  ‫إذا لاحظ القارئ تناقضات‪،‬‬         ‫من أجل فهم ما نقرأ‪ .‬وثمة‬            ‫ويتضح أن استخدامات‬
‫أو لم يفهم ِ َل يأتي القرآن في‬      ‫حاجة إلى استكمال البحث؛‬          ‫الباحثين اللاحقين للتحليل‬
  ‫ترتيب معين‪ ،‬هل ذلك يعني‬          ‫نظ ًرا لوجود مشكلات تميل‬       ‫البنيوي لا تتضمن بالضرورة‬
                                      ‫إلى الإجمال‪ ،‬كما يتضح‬          ‫ما تقوم به الأعمال المبكرة‬
    ‫أي شيء بالنسبة للقرآن‬             ‫في التحليلات المتضاربة‬       ‫لليفي شتراوس من التقسيم‬
 ‫نفسه أو للمؤمنين به؟ ولماذا‬          ‫للنصوص (الغريبة)‪ .‬قد‬         ‫إلى ثنائيات متقابلة على نحو‬
  ‫يجب علينا أن نقصر المعنى‬        ‫يكون هذا النوع من التساؤل‬          ‫صريح‪ ،‬مثل الثقافة مقابل‬
                                    ‫خطوة متقدمة نحو دراسة‬
   ‫وف ًقا للمعقولية الإنسانية‪،‬‬    ‫أكثر تحر ًرا للقرآن بعي ًدا عن‬       ‫الطبيعة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ففي‬
 ‫ونعتقد بأننا كشفنا الأساس‬           ‫نظريات التفسير الثنائية‪.‬‬         ‫المقاربات البنيوية للقرآن‬
 ‫الجوهري لفهم شيء يعرف‬              ‫يجب أن ُيستخدم التحليل‬          ‫‪-‬الناشئة على أيدي باحثين‬
 ‫نفسه بأنه ذو أصول إلهية؟‬          ‫البنيوي من أجل كل ما هو‬          ‫غربيين من غير المسلمين‪-‬‬
                                   ‫منطقي وعقلاني‪ ،‬وبموجب‬           ‫نجد صدى لاشتغال البنيوية‬
  ‫هذا لا يعني ضرورة قبول‬          ‫افتراض ذلك يـجب أن يقدم‬         ‫المبكرة بتشريح ما هو غريب؛‬
    ‫أي قارئ للقرآن بإلهيته‪،‬‬         ‫موضوع دراسته (عقلانية‬            ‫بغية فهمه‪ .‬وقد سلَّط بيير‬
                                    ‫بنيوية)‪ ،‬ومقاربة نويفرت‬         ‫بورديو الضوء على كل من‬
  ‫وإنما يشير إلى سمة مميزة‬           ‫تطرح سؤا ًل حول ماهية‬         ‫دور مبادئ الباحث وقواعده‬
   ‫لهذا الموقف التأويلي‪ ،‬نظ ًرا‬       ‫المتلقين الذين تقصدهم‪.‬‬       ‫المعرفية وطرقه لفهم الأشياء‬
 ‫لأن أي موضوع للتأويل قد‬            ‫فطريقة التفكير هذه حت ًما‬
    ‫يكون له خصائص خارج‬             ‫تحد من معنى العقل‪ ،‬إن لم‬              ‫في تحديد أبرز ملامح‬
    ‫القدرة البشرية أو خارج‬          ‫تكن تحد من معنى المعنى‬           ‫موضوع الدراسة‪ ،‬وكذلك‬
  ‫قدرتنا البشرية الحالية على‬        ‫نفسه‪ ،‬كما أنها بالضرورة‬        ‫تأثير هذا التحديد الذاتي على‬
   ‫الفهم‪ .‬وكما كتب «ويلفرد‬           ‫تقصر قدراتنا المعرفية في‬      ‫نتيجة دراسة الباحث‪ .‬ورغم‬
                                  ‫تصورات فكرية مقولبة‪ .‬ولا‬         ‫أن تلك الملاحظات منبثقة من‬
      ‫كانتول سميث»‪ ،‬مؤرخ‬          ‫يفترض هذا المنهج أن القرآن‬         ‫ميدان السوسيولوجيا‪ ،‬إ َّل‬
  ‫التقاليد الدينية والإسلامية‬         ‫ليس معقو ًل في صورته‬          ‫أنها ذات أهمية بالغة لتقييم‬
 ‫على وجه التحديد‪ ،‬في مقالته‬         ‫(النصية) الحالية فحسب‪،‬‬          ‫مقاربات القرآن المتجذرة في‬
   ‫حول معنى النص المق ّدس‪:‬‬          ‫بل كذلك يرى أن المعقولية‬        ‫التقليد الأوروبي الذي كان‬
   ‫إن نقطة الانطلاق هنا هي‬          ‫لا تأتي إلا بتطبيق وحدات‬         ‫يستهدف كل ما ُينظر إليه‬
  ‫أن المسلمين اعتبروا القرآن‬          ‫بنائية متماسكة ظاهر ًّيا‪.‬‬
    ‫كلمة الله‪ ،‬قد يختلف المرء‬      ‫وتع ُّد محاولة تحديد جوهر‬                   ‫باعتباره غريبًا‪.‬‬
                                   ‫المعقولية في أي نص إيماني‬          ‫في حين أن هذا الخط من‬
     ‫معهم ولكن هذا لا يبرر‬           ‫مخاطرة أنطولوجية‪ ،‬ولا‬        ‫البحث حول مشروعية تطبيق‬
    ‫رفض الحقيقة باعتبارها‬          ‫يمكننا أن نبنيها على مبادئ‬      ‫المقاربات البنيوية على النص‬
 ‫غير مهمة‪ ،‬وسنرى أنه كانت‬                                          ‫بأكمله لا تقلل من إسهامات‬
 ‫هنالك مرحلة خارج الدراسة‬              ‫مثبتة؛ فالقارئ يفرض‬            ‫أولئك الباحثين البنيويين‬
    ‫الأكاديمية حيث وقع ذلك‬          ‫على قراءته كل قيود العقل‬       ‫المعاصرين (أمثال نويفرت)‪،‬‬
‫الخطأ الساذج برفضها‪ ..‬الآن‬                                          ‫فإنه يذكرنا أي ًضا ألا نكون‬
   ‫أُ ِص ُّر ببساطة على أنه لفهم‬                                     ‫شديدي الثقة عند افتراض‬
  ‫القرآن بوصفه ن ًّصا مقد ًسا‬                                         ‫قابلية التطبيق والتشريع‬
   ‫فعلى المرء الإدراك أنه نص‬
    ‫مقدس‪ ،‬وأعني ‪-‬في المقام‬
 ‫الأول‪ -‬ليس كمفهوم كوني‪،‬‬
    ‫بل إنساني‪ .‬والخطأ الذي‬
   166   167   168   169   170   171   172   173   174   175   176