Page 176 - m
P. 176

‫العـدد ‪58‬‬                              ‫‪174‬‬

                                  ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬                          ‫بالفهوم القرآنية السالفة‪.‬‬
                                                                     ‫فمنهج نويفرت حسن النية‬
‫العناصر المحددة التي تسمح‬          ‫التي يفهم بها القرآن نفسه‪.‬‬          ‫إنما يهدف إلى إبعادنا عن‬
 ‫للقارئ بالوصول إلى النص‬             ‫وما تفشل نظرية نويفرت‬         ‫القراءات المتحيزة وذات البعد‬
                                     ‫في إثباته هو وجود فجوة‬
    ‫بأكمله اعتما ًدا على هيكله‬       ‫دائمة بين القراءة والفهم‪،‬‬         ‫الواحد‪ .‬وحتى إن لم تكن‬
   ‫وتركيبه‪ .‬هذه الهيكلة هي‬                                           ‫تقصد أن تتجاهل القراءات‬
‫جزء من الخطاب الذي يجعل‬           ‫وهذه الفجوة ستظل موجودة‬            ‫السابقة تما ًما‪ ،‬فمن المحتمل‬
‫دراسة نويفرت للقرآن مبنية‬             ‫(خاصة أن طبيعة النص‬           ‫أن ذلك يضع دراستها تحت‬
                                                                     ‫تصنيف القراءات التجريبية‬
     ‫على افتراض التشويش‪.‬‬            ‫الإلهي من منظور المؤمنين‬         ‫بد ًل من المعرفة التأسيسية‬
‫فاستخدام مقاربة ذات جذور‬              ‫تتجاوز الفهم الإنساني)‪،‬‬         ‫للقرآن (أي تجربة ُمحاولة‬
 ‫فرنسية من القرن العشرين‬                                               ‫تحديد بنية القرآن بمنأى‬
 ‫يعني ضمنًا أنه‪ ،‬دون تطبيق‬             ‫وهذا هو المبدأ الصوفي‪.‬‬
                                    ‫بعبارة أخرى‪ ،‬سيظل هناك‬              ‫عن أية مصادر خارجية‬
   ‫هذا المنهج العلمي‪ ،‬ستظل‬           ‫ما “ ُيقرأ “ في القرآن دون‬    ‫كالتفسير)‪ .‬ولكن ذلك الإبعاد‬
   ‫الغرابة القرآنية عائ ًقا أمام‬  ‫فهم‪ ،‬أو ذو مستويات مختلفة‬        ‫هو أي ًضا تجاهل للتاريخ الذي‬
  ‫تفسيره وفهمه‪ .‬وهنا تكمن‬
                                      ‫في فهمه ‪-‬كما في مسألة‬           ‫‪-‬وللمفارقة‪ -‬يضع نظرية‬
     ‫الخطورة‪ ،‬حيث تتعامل‬             ‫الظاهر والباطن‪ -‬أو حتى‬             ‫نويفرت في براثن المأزق‬
 ‫نويفرت مع القرآن باعتباره‬         ‫مع الإدراك بأننا كقراء بشر‬
  ‫آلة تحتاج إلى التجميع لكي‬           ‫لن نفهمه على نح ٍو كا ٍف‪.‬‬       ‫الزمني الذي تحاول الفرار‬
‫تؤدي مهامها على نحو سليم؛‬         ‫وفكرة نويفرت عن التناظرية‬            ‫منه‪ .‬فليس ممكنًا أن نقرأ‬
                                      ‫البلاغية تنتهي نظر ًّيا إلى‬     ‫القرآن في يومنا هذا وكأ َّن‬
   ‫نظ ًرا لأن التركيب إنما هو‬         ‫طريق مسدود‪ ،‬نظ ًرا لأن‬         ‫أربعة عشر قر ًنا من القراءة‬
 ‫آلة‪ .‬فالافتراض الضمني هو‬           ‫تفسيرها يلغي الدعوات إلى‬           ‫والتفسير لم توجد أص ًل‪.‬‬
 ‫تألف المعنى القرآني في بنية‬      ‫مزيد من التنظير حول القرآن‬           ‫وأ ُّي محاولة للقيام بذلك‬
                                     ‫من جهة دوره في مقاومة‬             ‫هي بمثابة تجربة‪ ،‬ويجب‬
   ‫جامدة‪ ،‬وأن أي ضعف أو‬             ‫أشكال التحليل القائمة على‬        ‫استحضار هذا عند تفحص‬
‫َت َشط لا يمكن أن يشكل جز ًءا‬         ‫المكتوب فحسب‪ .‬فعو ًضا‬
                                    ‫عن أن نرى مساعيها لجعل‬               ‫أي استنتاجات من هذا‬
                 ‫من المعنى‪.‬‬                                                            ‫القبيل‪.‬‬
      ‫ويعتمد تطبيق التحليل‬             ‫القرآن منفت ًحا على المبدأ‬
   ‫البنيوي على فكرة أن فهم‬            ‫الدمجي بد ًل من الوقوف‬          ‫وقد ناقش العلماء بد ًءا من‬
    ‫القرآن يعتمد على كشف‬           ‫عند المكتوب‪ ،‬نجد فيه عودة‬            ‫(عبد القاهر الجرجاني)‬
     ‫وتفسير تركيب منطقي‬                                                 ‫المنظر الأدبي في القرون‬
  ‫يفترض وجوده فيه‪ ،‬وهذه‬                ‫إلى انغلاق سميوطيقي‪.‬‬
 ‫طريقة أخرى لصوغ إصرار‬              ‫وإغفال النظر خارج «العلم‬          ‫الوسطى‪ ،‬حتى طه حسين‬
     ‫نويفرت على الحاجة إلى‬           ‫السميوطيقي» هو ما يمنع‬               ‫مفكر القرن العشرين‬
  ‫تحليل بنيوي ناجح قبل أن‬          ‫نويفرت من الكتابة المشتبكة‬
   ‫يصبح إجراء تحليل أدبي‬           ‫مع العلاقة بين النص والنقد‬      ‫‪-‬بالرغم من اختلاف استنتاج‬
    ‫تجريبي آخر أم ًرا ممكنًا‪.‬‬      ‫من وجهة نظر تاريخية فوق‬          ‫كل منهما‪ -‬أن القرآن شديد‬
   ‫وبينما لا تقدم جوا ًبا على‬                                       ‫البلاغة لكنه ليس شع ًرا‪ .‬ولم‬
    ‫سؤال‪ :‬لماذا يجب أن يتم‬                             ‫نقدية‪.‬‬        ‫ُينظر للبلاغة‪ ،‬بل ولا يمكن‬
 ‫التحليل البنيوي أو لا؟ فهي‪:‬‬       ‫لقد كانت التأويلات البنيوية‬        ‫عمليًّا النظر إليها بوصفها‬
  ‫بالتأكيد لم تكن لتقوم بهذا‬                                          ‫العامل المُقرر لفهم القرآن‪،‬‬
   ‫الادعاء إلا لتصديقها بأن‬           ‫متفائلة للغاية في الاعتقاد‬    ‫ذلك بغض النظر عن الطريقة‬
     ‫التركيب القرآني يحمل‬          ‫بأنها يمكن أن تختزل معنى‬

                                       ‫القرآن إلى مجموعة من‬
   171   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181