Page 282 - m
P. 282

‫إلا في روايات محدودة لروائيين‬                                ‫العـدد ‪58‬‬                           ‫‪280‬‬
    ‫محددين‪ ،‬ولا يمكن البحث عن‬
                                                                              ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬    ‫إيجا ًبا‪ ،‬والجائزة العالمية للرواية‬
‫سبب تراجع منح الجائزة لروائيين‬                                                                ‫العربية (بوكر) جائزة مرموقة‬
    ‫مصريين من دون أخذ ذلك في‬            ‫أو موضوعية الأهداف الحقيقية‬                          ‫منذ انطلاقها‪ ،‬ويعلن منظمو هذه‬
                       ‫الاعتبار‪.‬‬         ‫للجائزة الممنوحة‪ ،‬وما إن كانت‬                         ‫الجائزة وغيرها مثل (كتارا)‪،‬‬
     ‫كلتا وجهتي النظر لا تستقيم‬           ‫معايير أدبية ترتكز على الفنية‬
     ‫مبر ًرا حاس ًما لغياب الأسماء‬        ‫الخالصة أو ترتكز على أهداف‬                             ‫أهدا ًفا عالية السمو بوصفها‬
     ‫المصرية أربعة عشر عا ًما عن‬                                                            ‫دوافع لرصد الجائزة‪ ،‬ومع توالي‬
   ‫الفوز بالجائزة‪ ،‬لأن دا ًء ُعضا ًل‬       ‫مضمرة تتعلق بالسياسي في‬                         ‫دورات هذه الجوائز وتراكم أسماء‬
                                          ‫بعده القطري الخبيث‪ ،‬وتبديل‬
 ‫هو السبب ولا يحب أحد مواجهته‬           ‫قواعد لعبة مراكز القوى الناعمة‬                        ‫الفائزين يكثر اللغط والتشكيك‬
  ‫ومن ثم علاجه‪ ،‬وهو أننا جمي ًعا‬          ‫في المنطقة العربية لمالكي المال‬                     ‫في مقاصد لجان التحكيم‪ ،‬وكذا‬
                                        ‫السياسي لدى بعض الدول التي‬                          ‫الدولة التي تتبنى الجائزة‪ ،‬ومدى‬
‫شوفينيون إلى درجة لم تعد تطاق‪،‬‬                                                              ‫مصداقية المعايير الفنية التي على‬
    ‫ليس فقط على مستوى الإبداع‬                      ‫تبحث لها عن دور‪.‬‬
    ‫وإنما على مستوى يفترض أن‬                ‫هنا يعن سؤال آخر مناوئ‬                              ‫أساسها تعلن نتائج الجوائز‪،‬‬
         ‫يكون جماعيًّا مثل النقد‪.‬‬       ‫للفرضية السابقة وهو‪ :‬لماذا إذن‬                         ‫في اعتقادي أن هذا من الأمور‬
                                        ‫ُمنحت جائزة (بوكر) العربية في‬                          ‫الطبيعية والتي يمكن التعايش‬
  ‫نحن شوفينيون تربينا ‪-‬كأقطار‬            ‫دورتيها الأولى والثانية لكاتبين‬                     ‫معها ما بقيت الجائزة مستمرة‪.‬‬
  ‫عربية‪ -‬على الإزاحة لا الاندماج‪،‬‬     ‫مصريين هما بهاء طاهر ويوسف‬                            ‫من وجهة نظر أخرى قد لا تتعلق‬
                                      ‫زيدان على الترتيب؟ بصرف النظر‬                             ‫بمحض فنية المعايير والقدرة‬
    ‫وعلى الرغم من أن هذه التربية‬        ‫عن الموقف المنقسم حول الأخير‬                           ‫الاستشرافية للأعمال الفائزة‪،‬‬
      ‫وآثارها يمكن تفهمها وتفهم‬         ‫تحدي ًدا‪ ،‬ووجهة النظر هذه يبدو‬                          ‫بوصفها منارات إبداعية على‬
      ‫أسبابها على مستوى الأفراد‬            ‫أنها وإن ارتكزت على شواهد‬                          ‫الطريق‪ ،‬تتجاوز دهشة الإبداع‬
                                      ‫تدعمها‪ ،‬إلا أنها ترتكز على قدر من‬                        ‫في ذاته إلى الآثار المترتبة لهذه‬
  ‫العاديين أو المثقفين في حدودهم‬                                                                ‫الأعمال على الأفراد والمجتمع‬
      ‫الدنيا في تلك الأقطار‪ ،‬إلا أن‬                           ‫المبالغة‪.‬‬                      ‫عمو ًما‪ ،‬وهنا يمكن التساؤل عن‬
                                         ‫وجهة النظر الأخرى تنطلق من‬                        ‫غياب فوز المنجز الروائي المصري‬
    ‫ما لا يمكن قبوله أو تفهمه هو‬      ‫فكرة مفادها أن المحصول الروائي‬                            ‫لأربعة عشر عا ًما متتالية عن‬
  ‫تبني كثير من المبدعين والمثقفين‬      ‫المصري لم يعد يصمد لأن يكون‬                         ‫جائزة (بوكر) تحدي ًدا‪ ،‬يمكن النظر‬
                                                                                            ‫إلى هذه المسألة من وجهتي نظر‪،‬‬
    ‫الحقيقيين لهذا المنطق الإزاحي‬            ‫طليعيًّا‪ ،‬ومن ثم لا يستحق‬                     ‫الأولى تتعلق بنظرية المؤامرة ومن‬
‫نفسه‪ ،‬والنتيجة أن كل ُقطر لا يرى‬         ‫الجائزة‪ ،‬وأن على المصريين أن‬                        ‫ثم فرضية قصد إزاحة الأسماء‬
                                          ‫يواجهوا الحقائق الجديدة على‬                       ‫المصرية عم ًدا من قوائم الفائزين‪،‬‬
  ‫إلا نفسه‪ ،‬بل لا يريد أن يرى إلا‬       ‫الأرض‪ ،‬وأن يسلِّموا بأن أقطا ًرا‬                        ‫بوصفها القوة الناعمة الأكثر‬
  ‫نفسه (المصريون ليسوا استثناء‬                                                               ‫تأثي ًرا في منطقتها لحساب قوى‬
  ‫من ذلك)‪ ،‬ويمكنك أن تلحظ ذلك‬               ‫عربية أخرى احتلت المقدمة‪،‬‬                         ‫طالعة بديلة‪ ،‬ولا يبدي أصحاب‬
   ‫بقوة في المؤتمرات الكبرى التي‬            ‫ووجهة النظر تلك كسابقتها‬                           ‫هذا الرأي من المصريين كثي ًرا‬
  ‫تضم مشاركين من أقطار عربية‬               ‫لا يمكن التسليم بها بإطلاق‪،‬‬                         ‫من الانزعاج‪ ،‬لأن مصر حافلة‬
  ‫مختلفة‪ ،‬حيث تصل الظاهرة إلى‬              ‫وتقوم على قدر من المكايدات‬                       ‫بالمبدعين وأنها ستظل في الطليعة‬
                                         ‫القطرية أكثر من ارتكازها على‬                       ‫مهما اشتدت محاولات تهميشها‪.‬‬
          ‫حدود التعصب الأعمى‪.‬‬           ‫حقائق فنية‪ ،‬والحقيقة أن المتابع‬
                                         ‫للمنجز الروائي المصري يلحظ‬                              ‫لكن هذه الفرضية تستدعي‬
   ‫في لقاء حضرته بالجزائر‬               ‫بجلاء الوفرة الروائية لروائيين‬                        ‫تساؤ ًل آخر عن مدى مصداقية‬
   ‫منذ عدة سنوات‪ ،‬سمعت‬                   ‫يفوقون الحصر ولكنه لا يلحظ‬
  ‫الروائي الجزائري الأشهر‬                 ‫القدر نفسه من الروايات ذات‬
   ‫رشيد بو جدرة يقول إن‬                ‫الأثر الفني والاجتماعي العميقين‬
   277   278   279   280   281   282   283   284   285   286   287