Page 286 - m
P. 286

‫العـدد ‪58‬‬                           ‫‪284‬‬

                                    ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

 ‫من القرن الماضي كنا نتابع‬            ‫النقدية والثقافية عمو ًما‪ ،‬يكشف‬     ‫طه حسين‪ ..‬كيف تقيِّم دور‬
 ‫ما يمكن أن يكون «مدارس‬             ‫عن قائمة من العورات التي تضعنا‬          ‫الجامعة في المشهد الأدبي‬
                                                                                           ‫الراهن؟‬
    ‫نقدية»‪ ،‬مثل الأمناء التي‬            ‫جمي ًعا أمام مساءلة حقيقية بل‬
‫كونها أمين الخولي‪ ،‬أو حركة‬              ‫وحتمية‪ ،‬فالغالبية العظمى من‬            ‫من ذكرتهم كانوا موهوبين‬
                                                                           ‫مبدعين في الأساس‪ ،‬وفي زمنهم‬
 ‫النقد الجديد‪ :‬رشاد رشدي‬                  ‫مرتادي هذه الكليات ‪-‬وعلى‬
 ‫ومن معه‪ ،‬إلى البنيوية التي‬           ‫مدار سنوات طويلة ماضية‪ -‬هم‬             ‫كانوا مؤمنين تما ًما بأدوارهم‬
‫دافع عنها أسماء مهمة‪ ..‬هل‬             ‫ضحايا تنسيق خريجي الثانوية‬           ‫الثقافية في سبيل بلدهم‪ ،‬والأهم‬
   ‫المشهد الحالي يتكتل حول‬            ‫العامة‪ ،‬حيث لا علاقة لما يدرسه‬       ‫أنهم كانوا تلامذة لقامات مفكرة‬
  ‫مفهوم نقدي معين؟ أم أنه‬
‫عشوائي يمضي فيه ك ٌّل نحو‬              ‫الطلاب بميولهم الحقيقية ومن‬            ‫مبدعة من أصحاب المشاريع‬
                                      ‫ثم لا تتوقع منهم إبدا ًعا من نوع‬        ‫الفكرية الكبرى‪ ،‬قامات تفعل‬
            ‫اتجاه مختلف؟‬                                                  ‫الأمر نفسه على مرأى منهم‪ ،‬هكذا‬
                                        ‫ما‪ ،‬الأمر الآخر أن المناخ العام‬      ‫كان طه حسين وأمين الخولي‪،‬‬
        ‫لكل حقبة إيقاعها وظرفها‬        ‫القديم لم يعد موجو ًدا‪ ،‬والواقع‬    ‫وكان المناخ كله يستنفر الطاقات‪،‬‬
 ‫وآليتها في العمل‪ ،‬في الخمسينيات‬                                           ‫والحياة المعيشية ممكنة وكريمة‪،‬‬
‫والستينيات كانت مصر دولة فتية‬            ‫الجديد على الأرض لم يضمن‬         ‫لكل ذلك أح ُّبوا ما فعلوه‪ ،‬فأبدعوا‬
                                         ‫لهؤلاء الطالعين حياة مقبولة‬        ‫كل في موقعه‪ ،‬عندما كنت طالبًا‬
    ‫متحررة لتوها من نظام ملكي‬          ‫ناهيك عن أن تكون كريمة‪ ،‬فإذا‬       ‫بالفرقة الثانية في دار العلوم كان‬
  ‫إقطاعي واستعمار أجنبي‪ ،‬كانت‬         ‫عدنا إلى فئة الصفوة منهم أعني‪،‬‬         ‫الراحل الكبير عبد القادر القط‬
 ‫الحماسة في ذروتها‪ ،‬وكل الأعمال‬      ‫المعيدين أساتذة المستقبل‪ ،‬فسنجد‬          ‫رئي ًسا لتحرير مجلة إبداع في‬
  ‫تصدر تقريبًا وفق الانتماء لحياة‬     ‫أن أغلبهم َح َف َظة أكثر من كونهم‬      ‫النصف الأول من الثمانينيات‪،‬‬
 ‫جديدة لدعم دولة أصبحت ملهمة‬              ‫يحملون عقو ًل مفكرة ناقدة‬       ‫وكأي شاعر شاب حملت قصيدة‬
                                       ‫بالفطرة‪ ،‬فكيف تنتظر منهم أن‬          ‫من قصائدي وتوجهت إلى مقر‬
    ‫في منطقتها‪ ،‬كان هذا هو المناخ‬     ‫يجسدوا حالة نهضة نقدية كتلك‬        ‫المجلة‪ ،‬ولما لم أجده تركت القصيدة‬
    ‫العام الذي يعمل وفقه الجميع‪،‬‬                                         ‫وغادرت‪ ،‬تم التنويه إليها في العدد‬
   ‫والنشاط الثقافي عمو ًما والأدبي‬          ‫التي أحدثها من ذكرتهم؟‬       ‫التالي ونشرت في العدد اللاحق له‪،‬‬
  ‫والنقدي خصو ًصا لم يخرج عن‬        ‫أمر أخير يضاف إلى أسباب تدهور‬        ‫وعندما ذهبت لأشكره اندهش ج ًّدا‬
     ‫ذلك‪ ،‬صحيح أن القامات التي‬                                             ‫من صغر سني وشجعني بلطف‬
    ‫قادت الحركة الثقافية والأدبية‬         ‫دور الجامعة وكليات الآداب‬      ‫بالغ‪ ،‬هذا موقف لا أنساه ما حييت‬
  ‫كانت قد تحققت سل ًفا في الحقبة‬          ‫خصو ًصا‪ ،‬وهو تدني نوعية‬          ‫لأنني فهمت ببساطة أنني شاعر‬
    ‫الملكية مثل العقاد وطه حسين‬          ‫الرسائل الجامعية‪ ،‬وكثير من‬         ‫جيد وعليَّ أن أستمر‪ ،‬لقد كانوا‬
    ‫ونجيب محفوظ‪ ،‬على حد قول‬            ‫الأبحاث المنشورة في الدوريات‬
                                      ‫المحكمة التي يترقى على أساسها‬                   ‫أساتذة وآباء أي ًضا‪.‬‬
       ‫صديقي محمد عبد الباسط‬            ‫الأساتذة‪ ،‬فالمتابع يلاحظ بقوة‬        ‫كل شيء له علاقة بكل شيء‪،‬‬
   ‫عيد‪ ،‬إلا أن حقبتي الخمسينيات‬       ‫حالات استنساخ الأفكار في تلك‬            ‫والحقائق لا تتبلور من تلقاء‬
‫والستينيات وف ًقا للنظام السياسي‬       ‫الرسائل والأبحاث المنفردة وما‬         ‫نفسها بمعزل عن أسبابها‪ ،‬إذا‬
                                    ‫تنطوي عليه من فقر شديد‪ ،‬ناهيك‬          ‫اتفقنا على ذلك فإن التساؤل عن‬
       ‫الحاكم آنذاك‪ ،‬شهدت وعيًا‬       ‫عن انتشار آفة السرقات العلمية‬           ‫أسباب كف كليات الآداب عن‬
    ‫لدى قادة البلاد بأهمية القوى‬                                           ‫تصدير أساتذة فاعلين في الحياة‬
     ‫الناعمة لمصر‪ ،‬وتم العمل على‬                      ‫حد الفضيحة‪.‬‬
 ‫صقلها ودعمها بشكل لافت‪ ،‬ولك‬        ‫هل يعني كل ما سبق ألا حل؟ أب ًدا‪،‬‬
     ‫أن تستحضر النهضة الأدبية‬        ‫فالطريق معروفة ويسيرة ج ًّدا لو‬

                                                              ‫أردنا‪.‬‬

                                    ‫في الخمسينيات والستينيات‬
   281   282   283   284   285   286   287   288   289   290   291