Page 288 - m
P. 288

‫العـدد ‪58‬‬                            ‫‪286‬‬

                                       ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

 ‫منخرطون تما ًما في الاشتباك مع‬              ‫هل تلاحظ – مثلي‪ -‬أن‬             ‫يمكن باستقراء هذه الأسماء‬
    ‫الآباء المؤسسين ممن ذكرتهم‬             ‫ثمة انقطا ًعا بين الأجيال‬           ‫وإنجازاتها أن نلمح توج ًها‬
      ‫في سؤالك‪ ،‬يمثل هذه الحالة‬                                               ‫في المشهد النقدي المصري؟‬
    ‫محمد عبد الباسط عيد‪ ،‬وأيمن‬               ‫النقدية العربية عمو ًما‬
    ‫بكر ومصطفى الضبع وعادل‬                 ‫والمصرية بشكل خاص؟‬                 ‫هذه أسماء محترمة وأضيف إليها‬
  ‫ضرغام وأبي اليزيد الشرقاوي‬                ‫بمعنى أوضح‪ :‬ما الذي‬                  ‫سعيد شوقي وهشام زغلول‪،‬‬
  ‫وعبد الرحمن عبد السلام (وإن‬             ‫استفاده جيلك النقدي من‬
                                         ‫شكري عياد والطاهر مكي‬               ‫وهناك آخرون لا تسعفني الذاكرة‬
  ‫بأكاديمية رصينة)‪ ،‬ولا أظن أن‬         ‫ومصطفى ناصف ومصطفى‬                       ‫بأسمائهم الآن‪ ،‬وهم متزامنون‬
    ‫النقاد الحاليين‪ ،‬وإن بدرجات‬        ‫سويف وغالي شكري‪ ..‬إلخ؟‬                  ‫ومتفاوتو الرؤى والإنجاز‪ ،‬وعلى‬

 ‫متفاوتة‪ ،‬مارسوا انقطا ًعا تا ًّما أو‬   ‫لا أتفق معك جزئيًّا في هذا‪ ،‬ففكرة‬     ‫الرغم من ذلك لا يشكلون اتجا ًها‪،‬‬
  ‫أعلنوه صراحة‪ ،‬باستثناء سعيد‬                ‫الانقطاع في ذاتها وجوهرها‬         ‫فالأسماء التي ذكرتها‪ ،‬يمثل كل‬
   ‫شوقي الذي أعلن صراحة أمام‬
‫ملأ في ندوة دسمة عن الإسهامات‬            ‫تعني استغناء عما هو سائد وما‬         ‫منهم في ذاته حالة نقدية يمكن أن‬
‫العربية في المدارس النقدية الغربية‬       ‫كان سائ ًدا‪ ،‬ومن ثم تقديم أفكار‬        ‫تعجب بها منفردة‪ ،‬ويمكنني أن‬
  ‫الأكثر شيو ًعا‪ ،‬في المجلس الأعلى‬      ‫ومفاهيم مفارقة كليًّا لهذا السائد‪،‬‬     ‫أوصف ملامح كل حالة مقرونة‬
                                        ‫لأقربها لك أكثر‪ ،‬قد تص ُدق فكرة‬         ‫باسم صاحبها‪ ،‬ولكن أترك ذلك‬
    ‫للثقافة‪ ،‬إذ قال‪ :‬أنا ابن الثقافة‬
‫الغربية وجميعنا أبناء تلك الثقافة‪،‬‬         ‫الانقطاع على جيل السبعينيين‬       ‫للمتابعين حتى لا أصادر على أحد‪،‬‬
                                         ‫من الشعراء في مواقفهم مما كان‬        ‫الأهم عندي الآن هو السؤال الذي‬
     ‫وقدم حيثيات معتبرة لمقولته‬          ‫سائ ًدا من مفاهيم وبنى شعرية‪،‬‬         ‫طرحته على نفسي وعلى عدد من‬
 ‫تلك‪ ،‬ولا أعد ذلك انقطا ًعا بمفهوم‬       ‫فقدموا أنفسهم بلا آباء حقيقيين‬
 ‫السؤال لأنه قال مقولته في سياق‬          ‫محددين‪ ،‬وأنجزوا شع ًرا مفار ًقا‬        ‫هذه الأسماء عندما عدت نهائيًّا‬
                                       ‫لدرجة كبيرة عبر عنهم وفق رؤى‬               ‫واستقررت في مصر‪ :‬لماذا لا‬
                          ‫آخر‪.‬‬          ‫مغايرة للكون والوجود والمجتمع‪،‬‬
  ‫شخصيًّا لا أتصور ذلك‪ ،‬فالعمل‬            ‫وتلك عمو ًما مسألة خلافيَّة بين‬    ‫نش ِّكل فري ًقا ونضع برنام ًجا يمكن‬
  ‫النقدي لا يحتمل منطق الانقطاع‬          ‫النقاد أوردتها للتوضيح لا أكثر‪.‬‬     ‫أن يساعد في تأسيس ملامح اتجاه‬
                                          ‫على صعيد الحالة النقدية الأكثر‬
    ‫مع الآباء النقاد‪ ،‬دعني أتوقف‬                                                ‫نقدي مصري عربي؟ وللأسف‬
‫قلي ًل أمام حالة شخصية تجمعني‬                ‫معاصرة‪ ،‬وأعني بها نفسي‬              ‫جاء التعاطي مع الفكرة مخيبًا‬
 ‫بالراحل الكبير مصطفى ناصف‪،‬‬                ‫وزملائي على اختلاف الأعمار‬         ‫للآمال‪ ،‬ولاحظت أمرين خطيرين‪:‬‬
                                                                                ‫الأول المبالغة الشديدة في تقدير‬
     ‫فأنا لم أكن يو ًما من تلامذته‬             ‫المتزامنة حاليًّا‪ ،‬تأتي فكرة‬  ‫الذات لدى الكثيرين منهم‪ ،‬والثاني‪:‬‬
      ‫المباشرين لأنني درعمي في‬              ‫الانقطاع نسبية إلى حد كبير‪،‬‬
  ‫جامعة القاهرة وهو أستاذ كبير‬          ‫فهناك من يقدمون أنفسهم (وهم‬                ‫الجرأة في مصادرة الآخرين‬
 ‫في جامعة عين شمس‪ ،‬ولم أقابله‬             ‫كذلك فع ًل) على أنهم مدهشون‬           ‫من المشهد بوصفهم ُق َّصرا غير‬
‫شخصيًّا في حياتي‪ ،‬ولكنني أعتبر‬              ‫في كتاباتهم النقدية‪ ،‬ويملكون‬       ‫فاهمين‪ ،‬تلك هي الشيفونية التي‬
    ‫نفسي من تلامذته الحقيقيين‬          ‫رؤى خاصة بالغة الطرافة والعمق‬             ‫تطرقت إليها في موضع سابق‬
  ‫بعد أن قرأت له عد ًدا لا بأس به‬         ‫في تناولاتهم‪ ،‬ويبدون للآخرين‬         ‫من هذا الحوار‪ ،‬وقد استق َّر لد َّي‬
  ‫من كتبه‪ ،‬وخلاصة رأيي في هذا‬             ‫كما لو كانوا ذوا ًتا مستقلة عمن‬      ‫أن عم ًل كبيًرا لا بد أن ُينجز على‬
‫أنني ومعظم جيلي والزملاء النقاد‬          ‫سبقهم‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬هم‬
 ‫الحاليين من مختلف الأعمار كان‬                                                    ‫مستوى قبول الآخر والتربية‬
   ‫يجب علينا أن نقف على منجزه‬                                                 ‫الجامعية القائمة على روح الفريق‬
   ‫ونحسن الإنصات إليه بقدر ما‬
‫أحسن هو الإنصات للتراث النثري‬                                                   ‫قبل أي حديث عن اتجاه نقدي‪،‬‬
                                                                              ‫يقودنا إلى تصدر القاطرة العربية‬

                                                                                                     ‫كما كنا‪.‬‬
   283   284   285   286   287   288   289   290   291   292   293