Page 290 - m
P. 290

‫العـدد ‪58‬‬                        ‫‪288‬‬

                                    ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

‫تأ ُّمل روحاني بسمو‬

‫الذات في «خيميائية»‬
                                                                ‫فوزي تليلي‬
       ‫(تونس) المادة الخزفية‬

‫في تجربة الفنانة‬

‫«سارة بن عطية»‬

    ‫تنطق‪ ،‬تسألها فتساؤلها بلغة‬        ‫اللذان استلهما موضوعاتهم من‬     ‫تعتبر الخيمياء ممارسة قديمة‬
‫مشفرة تسافر معها جامحة بمداد‬        ‫الخيمياء على شكل رسوم رمزية‪.‬‬
                                                                        ‫ترتبط بعلوم الكيمياء والفيزياء‬
  ‫يتسع ويتمدد‪ ،‬متخطية وعابرة‬           ‫لتأخذنا الفنانة سارة بن عطية‬         ‫والفلك والفن وعلم الرموز‬
 ‫لآفاق المادة وإمكانياتها‪ .‬هذه هي‬      ‫إلى تأمل روحاني في خيميائية‬
                                                                          ‫وعلم المعادن والطب والتحليل‬
    ‫تجربة الفنانة سارة بن عطية‬            ‫المادة الخزفية وفعل تحويل‬      ‫الفلسفي‪ ،‬والفرق بين الخيمياء‬
‫التي تعد واحدة من بين التجارب‬        ‫العناصر الخام‪ ،‬لتحدث تشكلات‬         ‫والكيمياء؛ أن الخيمياء هي علم‬
  ‫الفنية في مجال الخزف المعاصر‬
 ‫في تونس‪ ،‬بل لعلها الأكثر فرادة‬          ‫وإنصهارات بين ذرات المينا‬         ‫تحويل المعادن الرخيصة إلى‬
                                    ‫والأشكال‪ ،‬نار وماء‪ ،‬تراب وهواء‪،‬‬     ‫معادن نفيسة وتخضع إلى مبدأ‬
       ‫وتمي ًزا في فعلها التشكيلي‪،‬‬
 ‫والتقنيات المعتمدة في تبني رؤى‬       ‫تدفق خصب من جغرافية القبة‬           ‫المبادلة التعادلية‪ ،‬أما الكيمياء‬
‫فلسفية تتجاذبها إشكاليات الواقع‬         ‫السماوية‪ ،‬هذا المفهوم العلمي‬  ‫فهي غنية عن التعريف‪ .‬فالخيمياء‬
                                                                       ‫رؤية وجدانية في تعليل الظواهر‪،‬‬
                        ‫الراهن‪.‬‬     ‫الدقيق وظفته الفنانة في معرضها‬     ‫ليعرفها «ابن خلدون» بأنها «علم‬
‫إن الفنانة سارة بن عطية تصارع‬              ‫بعنوان «السمت‪ /‬الزنيث»‬     ‫ينظر في المادة التي يتم بها تكوين‬
 ‫عجينتها الطينية في بوتقة صراع‬
                                         ‫في فضاء دار الفنون بتونس‬         ‫الذهب والفضة بالصناعة»(‪،)1‬‬
  ‫فكري وحسي‪ ،‬نظرة إستيتيقية‬                               ‫العاصمة‪.‬‬           ‫حتى ينظر إليها العديد من‬
    ‫ذاتية ممتدة بروحانية مفعمة‬
                                       ‫تتواصل المادة والروح‪ ،‬تدفعك‬    ‫الخيميائيين كتجربة روحية تخبئ‬
‫ووجودية خاصة‪ ،‬إذ بها ترعرعت‬             ‫لتغوص في عمق العمل الفني‪،‬‬         ‫وراءها فلسفة روحية باطنة‪،‬‬
  ‫مع الخزف‪ ،‬وفي ثنايا تشكلاته‪،‬‬        ‫تركيبات لا تراها إلا بإحساسك‬          ‫كما تعد من مصادر الإلهام‬
                                     ‫وروحانيتك وخارج حدود الزمن‬
‫وامتزجت أناملها مع المادة منشأة‬        ‫وفي قلب النواة‪ ،‬إبحار وجداني‬   ‫للفنان السريالي خاصة‪« ،‬كماكس‬
 ‫علاقة في عشق الخزف‪ .‬إذ كانت‬          ‫وروحي‪ ،‬ترى الطينة وتسمعها‬       ‫أرنست» والرسام «مايكل بيرس»‬
   285   286   287   288   289   290   291   292   293   294   295