Page 67 - m
P. 67

‫‪65‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫الشعر‬

                                                              ‫عبير زكي‬

                                                     ‫حافة الليل‬

   ‫لا ينتابني الخوف‪ ،‬أعانق الجدران وأسند رأسي‬                                           ‫هل سترجع؟!‬
   ‫إلى وسادة صغيرة فوق أريكة في منتصف البيت‬                                   ‫لقد هيأت نفسي للوحدة؛‬
    ‫وأستسلم للنوم‪ ،‬السلام والمحبة يغمران المكان‪،‬‬
                                                                                    ‫واتخذت بيتًا بعي ًدا‬
                                  ‫والرضا بعد‪..‬‬                                ‫بجوار الحوانيت القديمة؛‬
‫وكقطعة من كل هذا أركن إليهم‪ ،‬وكأجزاء من بعض‬
                                                                                          ‫والذكريات‪،‬‬
   ‫روحي يؤوون إل َّي‪ ،‬روحي تستأنس بالمكان ح ًّقا‪،‬‬       ‫دهنت جدران ردهته في الوسط بالأبيض؛ لكي لا‬
                                        ‫وتنتظر‪،‬‬
                                                                                   ‫تنفذ كثي ًرا للماضي‪،‬‬
                             ‫إنه موطن الانتظار‪،‬‬                      ‫ما زلت أشم رائحة الحياة من هنا‪،‬‬
                                ‫برزخ آخر موا ٍز‪،‬‬          ‫نداءات الباعة تخترق وعيي بين الحين والحين‪،‬‬
                                                       ‫خلف البيت شارع عريض ممتد طويل‪ ،‬يأخذك إلى‬
‫حين أسأل عن ظلي تضمني أحجاره من كل صوب‪،‬‬               ‫الخط الأول للمترو‪ ،‬شارع يتفجر حياة وضوضاء‪،‬‬
        ‫وتحتضنني بقوة كأن ظلي لم يفارقني أب ًدا‪،‬‬        ‫به من كل شيء‪ ،‬ليس سو ًقا بالمعنى الحرفي؛ لكنه‬
                   ‫بعضهم يعدني أن يعيدوه إل َّي‪،‬‬                  ‫يشبه السوق‪ ،‬سوف لن أحتاج لشيء‪.‬‬

  ‫وأنا اصدقهم في أحيان كتيرة‪ ،‬برغم أنهم في نظر‬           ‫البيت هادئ تما ًما‪ ،‬وسيارتي تنام أمامه‪ ،‬ويغفو‬
      ‫الجميع مجرد أحجار لا تروح ولا تجيء‪ ،‬لن‬                ‫عليها تراب باهت يطمس سوادها الشاهق‪ ،‬لا‬

 ‫يصدقني أحد حين أقسم أنهم يبيتون الليل حولي‪،‬‬             ‫أحركها كثي ًرا‪ ،‬أحب أن أقطع الشوارع سي ًرا على‬
    ‫في الصباح يرجعون أدراجهم ويتخذ كل منهم‬                                          ‫الأقدام بين الناس‪،‬‬

 ‫هيأته القديمة ويصطف في بنيانه‪ ،‬أرضي ًة وجدرا ًنا‬     ‫بسطاء هم ‪ ،‬وأنا مثلهم مسالمة حتى النخاع‪ ،‬لا أرى‬
                                 ‫وأركا ًنا وسق ًفا‪،‬‬  ‫تفاصيل وجهي في المرآة‪ ،‬ولا أراني في أحيان كثيرة‪،‬‬
                                         ‫تعرف‪،‬‬       ‫فقط قد أسمع صوتي يدندن في الليالي الساكنة داكنة‬

                    ‫أحيا ًنا ألمح عيونهم تبتسم لي‪،‬‬     ‫اللون حين ينقطع التيار الكهربائي‪ ،‬ويغرق الجوار‬
                            ‫وعليها أغمض عين َّي‪،‬‬                                      ‫في سواد نسبي‪،‬‬
                                         ‫وأنام‪،‬‬
                                ‫حين يأتي النوم‪.‬‬
   62   63   64   65   66   67   68   69   70   71   72