Page 7 - m
P. 7

‫افتتاحية ‪5‬‬

   ‫الإنجيل المثاني‪ ،‬وفضلت بالمفصل‪ .‬أي أن‬        ‫الآيات) بأنه حين كانت تنزل آية جديدة كان‬
   ‫ترتيب السور يبدأ بالسور السبع الطوال‪،‬‬           ‫النبي يشير للكتبة أن يضعوها في مكانها‬
‫ثم المئين “السور التي تزيد أو تقل قلي ًل عن‬          ‫الذي أبلغه به جبريل‪ ،‬وأن جبري ًل كان‬
 ‫مئة آية”‪ ،‬ثم المثاني “ما ثنى المئين فتلاها”‪،‬‬     ‫يراجع ذلك بنفسه كل رمضان كما ذكرت‪،‬‬
  ‫ثم المفصل “سميت مفص ًل لكثرة الفصول‬             ‫وأنه راجعه مرتين في عام وفاة النبي (على‬
   ‫التي بين سورها”)‪ .‬وقد اختلط الأمر على‬           ‫قول الكرماني في البرهان)‪ ،‬وقول فاطمة‬

     ‫عثمان واعتقد أن الأنفال وبراءة سورة‬          ‫رضي الله عنها‪“ :‬أسر إل َّي النبي أن جبريل‬
     ‫واحدة‪ ،‬فضمهما م ًعا ووضعهما ضمن‬              ‫يعارضني القرآن كل سنة‪ ،‬وأنه عارضني‬

                 ‫الطوال في بداية المصحف!‬            ‫العام مرتين‪ ،‬ولا أراه إلا حضر أجلي‪”..‬‬
      ‫هذا الحديث هو ما يجعل محمد الأمين‬          ‫(أخرجه البخاري)‪ ،‬ولقول القاضي أبو بكر‬
    ‫الشنقيطي (ت‪1393‬هـ‪1973 /‬م) يقول‬              ‫في الانتصار‪ :‬ترتيب الآيات أمر واجب وحكم‬
   ‫في كتابه “أضواء البيان في إيضاح القرآن‬       ‫لازم فقد كان جبريل يقول ضعوا آية كذا في‬
      ‫بالقرآن” (‪“ :)427 /2‬يؤخذ من هذا‬
 ‫الحديث أن ترتيب القرآن بتوقيف من النبي‬                                       ‫موضع كذا‪.‬‬
  ‫(ص) وهو كذلك بلا شك‪ ،‬وكما يفهم منه‬                 ‫والغريب أن القائلين بهذا يستندون إلى‬
   ‫أي ًضا أن ترتيب سوره بتوقيف أي ًضا عدا‬       ‫حديث ورد في الترمذي (‪ ،)3806‬وأبي داود‬
    ‫سورة براءة‪ ،‬وهذا أظهر الأقوال ودلالة‬           ‫(‪ ،)786‬عن ابن عباس رضي الله عنهما‪،‬‬
                                                     ‫قال‪ :‬قلت لعثمان بن عفان‪“ :‬ما حملكم‬
                    ‫الحديث عليه ظاهرة”‪.‬‬               ‫أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني‬
  ‫وكذلك قال البيهقي في المدخل‪ :‬كان القرآن‬          ‫وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما‬
   ‫على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرتبًا‬         ‫ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن‬
   ‫سوره وآياته على هذا الترتيب إلا الأنفال‬        ‫الرحيم‪ ،‬ووضعتموها في السبع الطوال‪ ،‬ما‬
                                                  ‫حملكم على ذلك؟ فقال عثمان‪ :‬كان رسول‬
             ‫وبراءة لحديث عثمان السابق‪.‬‬            ‫الله مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه‬
      ‫الشيخ الشنقيطي والبيهقي –وغيرهما‬          ‫السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء‬
   ‫ممن قال هذا الرأي‪ -‬تعاملوا مع الحديث‬         ‫دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء‬
  ‫المذكور بإيمان مسبق وليس بحياد علمي‪،‬‬           ‫الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا‪،‬‬
 ‫فقد اعتبروه الوحيد الذي ورد في هذا الباب‬       ‫وإذا نزلت عليه الآية فيقول ضعوا هذه الآية‬
‫متجاهلين أحاديث أخرى كثيرة يستدل منها‬           ‫في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا‪ ،‬وكانت‬
‫على معنى مخالف‪ ،‬كما أنهم –وهذا هو المهم‪-‬‬            ‫الأنفال من أوائل ما أنزل بالمدينة وكانت‬
   ‫تجاهلوا قول عثمان «فظننت” أنها منها‪،‬‬          ‫براءة من آخر القرآن وكانت قصتها شبيهة‬
    ‫ودخول “الظن” في كتاب إلهي يفتح با ًبا‬          ‫بقصتها فظننت أنها منها‪ ،‬فقبض رسول‬
   ‫يصعب إغلاقه‪ ،‬فالحياد العلمي كان يقود‬             ‫الله ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك‬
   ‫–بالضرورة‪ -‬إلى وجود مراوحات‪ ،‬وصل‬                ‫قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم‬
    ‫إلينا بعضها –مثل موضوع ضم الأنفال‬               ‫الله الرحمن الرحيم فوضعتها في السبع‬
   ‫وبراءة‪ -‬ومن المحتمل‪ ،‬ما دام الأم ُر ظنيًّا‪،‬‬
 ‫ألا يكون قد وصل إلينا بعضها الآخر‪ ،‬وهذا‬                                         ‫الطوال»‪.‬‬
                                                ‫(ابن عباس هنا يشير إلى قول الرسول –كما‬
                ‫يضعف فكرة إغلاق النص‪.‬‬
     ‫الحديث المشار إليه يقول إن النبي كان‬           ‫ورد في مسند أحمد (‪ )16982‬عن واثلة‬
  ‫يستدعي الكتبة ويوجههم إلى وضع الآيات‬            ‫بن الأسقع‪ :-‬أعطيت مكان التوراة السبع‪،‬‬
   ‫الجديدة في أماكن محددة‪ ،‬وهذا يتعارض‬           ‫وأعطيت مكان الزبور المئين‪ ،‬وأعطيت مكان‬
   2   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12