Page 9 - m
P. 9

‫افتتاحية ‪7‬‬

‫هم يحزنون” (البقرة‪ ،)62 :‬وورد في تفسير‬               ‫الناسخ والمنسوخ‬
    ‫ابن كثير عن هذه الآية قوله‪“ :‬نبه تعالى‬
                                                   ‫الذين يتحدثون عن «علوم الدين»‪ ،‬أي‬
 ‫على أن من أحسن من الأمم السالفة وأطاع‪،‬‬      ‫مجموعة المعارف التي ترتبط بالدين وتستند‬
‫فإن له جزاء الحسنى‪ ،‬وكذلك الأمر إلى قيام‬
                                               ‫إلى القرآن الكريم والسنة النبوية‪ ،‬يضعون‬
                                ‫الساعة”‪.‬‬        ‫ضمنه باب «الناسخ والمنسوخ»‪ ،‬وقيل إن‬
‫لكن القرآن يعود ويذمهم في مواضع أخرى‪،‬‬            ‫أول من تحدث عنه الإمام الشافعي (أبو‬
                                               ‫عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي‬
  ‫يقول تعالى‪“ :‬ولن ترضى عنك اليهود ولا‬
‫النصارى حتى تتبع ملتهم” (البقرة‪،)120 :‬‬            ‫القرشي (‪204 -150‬هـ)‪ ،‬وغايته فهم‬
                                                   ‫التضاد (الظاهر) بين بعض الآيات في‬
  ‫و»ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا‬     ‫القرآن‪ ،‬وبعض الأحاديث‪ ،‬إضافة إلى التضاد‬
‫المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم”‬          ‫بين الحديث والقرآن‪ ،‬والحديث والحديث‪.‬‬

 ‫(البقرة‪ ،)105 :‬بل إنهم (كفار) في مواضع‬                   ‫‪ -1‬التضاد بين آيات القرآن‪:‬‬
 ‫أخرى‪ ،‬متساوون مع المشركين‪ ،‬يقول‪“ :‬لم‬           ‫مثل الموقف المتغير من أهل الكتاب‪ ،‬فمرة‬
‫يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين‬         ‫يميل إلى مدحهم مثل قوله عن المسيحيين‬
                                                ‫«ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين‬
        ‫منفكين حتى تأتيهم البينة” (البينة‪:‬‬     ‫قالوا إنا نصارى” (المائدة‪ ،)82 :‬وعن أهل‬
     ‫‪ ،)1‬و”إن الذين كفروا من أهل الكتاب‬      ‫الكتاب عامة يقول «من أهل الكتاب أمة قائمة‬
‫والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أو ٰلئك‬       ‫يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون‪،‬‬
  ‫هم شر البرية» (البينة‪ ،)6 :‬يقول الطبري‬
  ‫في تفسيرها‪(« :‬في نار جهنم خالدين فيها)‬            ‫يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون‬
‫ماكثين لابثين فيها (أب ًدا) لا يخرجون منها‪،‬‬      ‫بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون‬
   ‫ولا يموتون فيها‪( ،‬أولئك هم شر البرية)‬         ‫في الخيرات وأولئك من الصالحين” (آل‬
‫يقول جل ثناؤه‪ :‬هؤلاء الذين كفروا من أهل‬          ‫عمران‪ ،)114 -113 :‬بل إن القرآن يقول‬
    ‫الكتاب والمشركين‪ ،‬هم شر من برأه الله‬        ‫إن من آمن منهم بدينه –إلى قيام الساعة‪-‬‬
                                             ‫سيدخل الجنة‪« :‬إن الذين آمنوا والذين هادوا‬
            ‫وخلقه” أي أكثر الخلائق ش ًّرا‪.‬‬   ‫والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم‬
  ‫كما نجد في سورة الأنفال آيتين متتابعتين‬       ‫الآخر وعمل صال ًحا فلا خوف عليهم ولا‬
 ‫مختلفتين (الآيتان‪ 65 :‬و‪ ،)66‬يقول تعالى‪:‬‬

   ‫«يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال‬
     ‫إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا‬

  ‫مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا أل ًفا من‬
   ‫الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون‪ /‬الآن‬
   ‫خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضع ًفا فإن‬
   ‫يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن‬
  ‫يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله‬
  ‫مع الصابرين”‪ ،‬ففي الأولى يع ُد ُل المحارب‬

     ‫المسلم عشرة محاربين من الكفار‪ ،‬وفي‬
   ‫الثانية يعدل محاربين كافرين فقط‪ ،‬لكننا‬
 ‫نلاحظ أن الآية الثانية ذكرت سبب التضاد‬
  ‫في بدايتها «خفف الله عنكم وعلم أن فيكم‬
 ‫ضع ًفا”‪ ،‬بينما الآيات المختلفات التي أشرنا‬
  ‫إلى نماذج منها لا تحوي هذا التبرير‪ ،‬فهل‬
   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13   14