Page 150 - merit 49
P. 150

‫العـدد ‪49‬‬                          ‫‪148‬‬

                                    ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬

       ‫العراق‪ ،‬لأنها صارت تملك‬         ‫لذلك وضعوا صدام حسين في‬         ‫المتعاقبة على البيت الأبيض‪ ،‬حيث‬
     ‫الآن كافة المبررات الأخلاقية‬     ‫بؤرة الإرهاب العالمي‪ ،‬واتخذوه‬      ‫سعت إلى استخدام بعبع الخطر‬
 ‫والسياسية لمطاردة الإرهاب بين‬         ‫ذريعة للدخول إلى العراق‪ ،‬لأن‬    ‫الذي كان يمثله التوسع الشيوعي‬
 ‫آلاف الأقواس بأي وسيلة وبأي‬         ‫المعتدين لا يجب أن يكافأوا‪ ،‬وأن‬
   ‫ثمن‪ ،‬مع العلم أن أمريكا كانت‬                                            ‫بالنسبة إلى الديمقراطيات(‪.)32‬‬
    ‫تمهد لغزوالعراق قبل هجمات‬            ‫العدوان لا بد وأن يتم إبطاله‬    ‫مع العلم أن استراتيجية الحرب‬
     ‫‪ 11‬سبتمبر‪ ،‬وذلك لحاجة في‬         ‫باللجوء إلى العنف‪ ،‬هذا كان هو‬
  ‫نفس يعقوب (النفط)‪ ،‬فخصوم‬           ‫سبب الحرب‪ ،‬ولم يقدم أي سبب‬            ‫الباردة العالمية‪ ،‬التي اعتمدتها‬
                                                                          ‫الولايات المتحدة الأميركية هي‬
       ‫الحضارة الذين نفذوا هذه‬                             ‫آخر(‪.)35‬‬
   ‫الهجمات‪ ،‬كانوا في الثمانينيات‬       ‫يقول «تشومسكي» على لسان‬              ‫التي أسهمت في إشعال فتيل‬
   ‫محاربي الحرية الذين دربتهم‬       ‫السياسة الأمريكية «فالناس تقتنع‬      ‫الأزمات الإقليمية في العديد من‬
    ‫وسلحتهم المخابرات المركزية‬       ‫إذا قلنا إننا حينما نستخدم القوة‬   ‫بلدان العالم الثالث‪ ،‬ولعل أبرزها‬
 ‫الأمريكية ومعاونوها‪ ،‬وقد دربوا‬        ‫ضد العراق‪ ،‬فذلك لأننا نحترم‬
                                       ‫مبدأ أن الاحتلال غير الشرعي‬          ‫الأزمة الأفغانية‪ ،‬التي تعتبر‬
     ‫بالقوات الخاصة ذاتها الذين‬       ‫والإساءة لحقوق الإنسان لا بد‬         ‫بحق من إفرازات هذه الحرب‬
    ‫يبحثون عنهم الآن في كهوف‬             ‫وأن تجابه بالقوة”‪ )..( ،‬مما‬       ‫الباردة ومخلفاتها‪ ،‬خصو ًصا‬
                                       ‫يدل على نجاح هائل للأساليب‬         ‫عندما شجعت الولايات المتحدة‬
                  ‫أفغانستان(‪.)38‬‬                                           ‫وحلفاؤها في المنطقة الحركات‬
    ‫ولا يخفى على أحد أن الإعلام‬                         ‫الدعائية(‪.)36‬‬   ‫الإسلامية الأصولية على محاربة‬
    ‫الدولي ساعد في رسم صورة‬           ‫لكن هذه الأسباب التي اختلقتها‬     ‫الغزو السوفييتي لأفغانستان في‬
                                                                        ‫حقبة الحرب الباردة‪ ،‬وقدمت لها‬
     ‫العدو وساحة المعركة‪ ،‬حيث‬              ‫السياسة الأمريكية لم تكن‬        ‫كل الدعم المالي والعسكري في‬
       ‫روج لفكرة انهيار الأبراج‬     ‫مقنعة‪ ،‬يقول أحد المؤرخين الألمان‬     ‫إشاعة تلك الأنماط من الإرهاب‬
                                                                        ‫ذي الاستقلال الذاتي الذي تكلل‬
      ‫الأمريكية على أنها تراجيديا‬      ‫«جورج هيرنغ» يصف الحرب‬          ‫بحركة طالبان وتنظيم القاعدة(‪.)33‬‬
‫إنسانية عالمية قام بتنفيذها بعض‬        ‫على العراق بأنها الحرب الخطأ‬       ‫رفضت الولايات المتحدة بلورة‬
‫الإرهابيين الذين ينتمون إلى الدين‬
                                          ‫في المكان الخطأ وبالأساليب‬         ‫مواقفها بما يتلاءم وحقائق‬
    ‫الإسلامي‪ ،‬ثم استغلت أجهزة‬          ‫الخطأ(‪ .)37‬فأغلب ‪-‬إن لم كل‪-‬‬         ‫مرحلة ما بعد الحرب الباردة‪،‬‬
     ‫الإعلام الأمريكية هذا بشكل‬        ‫دول العالم لم تصدق ما كانت‬        ‫فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي‪،‬‬
   ‫واسع النطاق لتشن حملة ضد‬            ‫تنقله وسال الإعلام الأمريكية‪.‬‬        ‫استمرت الولايات المتحدة في‬
‫الإسلام والمسلمين بهدف تشويه‬                                             ‫انتهاج سياسة خوض الحروب‬
                                              ‫ولهذا رمت الإمبريالية‬
              ‫وإضعاف موقفهم‪.‬‬           ‫الأمريكية بكل ثقلها الإعلامي‪،‬‬         ‫لتركيع الدول التي تعارض‬
      ‫منذ انهيار جدار برلين عام‬                                              ‫سياستها‪ ،‬ويتضح ذلك على‬
  ‫‪ ،1989‬تشكل عالم جديد تسود‬              ‫لانتهاج استراتيجية الهيمنة‪،‬‬        ‫الصعيد العسكري في الحرب‬
‫فيه سوق معولمة‪ ،‬تتوحد سياسيًّا‬         ‫طارحة نفسها نقي ًضا للنموذج‬           ‫الأمريكية في إطار التحالف‬
  ‫حول ما اشتهرت تسميته دائ ًما‪،‬‬       ‫الاستعماري الأوروبي‪ ،‬ومقدمة‬         ‫الدولي ضد العراق عام ‪،1991‬‬
      ‫عناصر السيادة (السلطات‬            ‫نفسها داعية لحقوق الإنسان‪،‬‬          ‫وقد أثار هذا الهجوم استيا ًء‬
   ‫العسكرية‪ ،‬والنقدية‪ ،‬والثقافية‪،‬‬     ‫وأنها صارت هد ًفا بسبب قوتها‬       ‫كبي ًرا لدى شعوب المنطقة‪ ،‬التي‬
      ‫واللغوية‪ ،‬والاتصالات)(‪.)39‬‬     ‫السياسية ونجاحها الاقتصادي‪،‬‬            ‫تبدي حساسية شديدة تجاه‬
   ‫فبالإضافة إلى القوة العسكرية‬         ‫لذلك فبعد هجمات ‪ 11‬سبتمبر‬      ‫الصفاء الديني‪ ،‬والأماكن المقدسة‪،‬‬
    ‫والنقدية والثقافية واللغوية لا‬    ‫‪ 2001‬على نيويورك وواشنطن‪،‬‬            ‫والثقافة الإسلامية‪ ،‬والسيادة‬
  ‫بد لمن يريد السيادة والقيادة في‬      ‫ستتأجج الرغبة في الانتقام في‬
  ‫العالم أن يمتلك سلطة الاتصال‬        ‫نفوس الأمريكيين‪ ،‬مما سيؤدي‬                           ‫الوطنية(‪.)34‬‬

                                         ‫إلى إعلان أمريكا الحرب على‬
   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154   155