Page 50 - merit 49
P. 50

‫العـدد ‪49‬‬   ‫‪48‬‬

                                                      ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬

  ‫بالنقد والتحليل ناد ًرا ما أشاروا إلى جهود من‬       ‫يقول‪ ،‬وتحلل‪ ،‬وتبني آراءها‪ ،‬والمرجع في كل ذلك‬
 ‫سبقوهم من النقاد إلا ليعارضوها ويقوضوها‪،‬‬                       ‫سلطة الناقد التي كونها إدورد سعيد‪.‬‬

       ‫لأنهم لا يريدون تأسيس سلطتهم النقدية‬              ‫من أين جاءت قوة سعيد وسلطته النقدية؟ لا‬
   ‫على سلطة نقدية سابقة‪ ،‬أو أن ُيشركوا معهم‬               ‫أعتقد أن قوة سعيد النقدية متولدة من كونه‬
   ‫غيرهم في هذه السلطة‪ ،‬لأنهم يريدونها سلطة‬                ‫ينتقد الغرب‪ ،‬وسياساته وبع ًضا من أفكاره‬
                                                         ‫وأدبه وثقافته‪ ،‬بل لأنه كان يتغلغل في العقلية‬
     ‫مطلقة ونهائية وباتة‪ ،‬فيبتعدون عما تحدث‬             ‫الغربية ويفضح ما بنيت عليه من أفكار غائرة‬
   ‫عنه غيرهم‪ ،‬ليبنوا سلطتهم الخاصة بهم وهم‬             ‫في اللاوعي‪ ،‬لاسيما العنصرية المقيتة‪ ،‬ومخالفة‬
‫يكتبون قراءتهم للعمل الفني‪ ،‬لعل هذا واضح في‬
   ‫عمل النقاد الذين يتوخون الحفر في مناطق لم‬               ‫مبادئ حقوق الإنسان وأسس الديمقراطية‬
‫يلتفت إليها الآخرون‪ ،‬فصارت كتب النقد الناتجة‬                ‫الغربية‪ .‬كما أن في أفكاره النقدية تقوي ًضا‬
                                                       ‫لأسس حضارة كاملة تعيش على دماء الآخرين‬
      ‫عن وعي نقدي حقيقي مختل ًفا بعضها عن‬             ‫وخيراتهم‪ ،‬لقد أكد إدوارد سعيد ما كانت تدعيه‬
  ‫بعض بالضرورة‪ ،‬وتشكل كل دراسة أو مقالة‬                 ‫الاشتراكية‪ ،‬فبدا اشتراكيًّا في مجتمع رأسمالي‪،‬‬
  ‫حالة نقدية لها وزنها الخاص‪ ،‬تبعا لقوة الناقد‬           ‫على الرغم من أنه ينفي عن نفسه هذه التهمة‪،‬‬
‫وتأثيره‪ ،‬وهيمنته في المجتمع الثقافي الذي يتحرك‬           ‫وينفيها تلميذه (برنن) كذلك في كتاب «أماكن‬

                             ‫فيه إنتاجه النقدي‪.‬‬                                               ‫الفكر»‪.‬‬
     ‫ربما ُيعلم النقد النقاد الأنانية نو ًعا ما؛ فهم‬          ‫ربما ما عزز من سلطة سعيد النقدية أنه‬
      ‫يعتزون بآرائهم‪ ،‬يكتبونها ولا يلتفتون لمن‬            ‫كان عقلانيًّا‪ ،‬ويتمتع بصداقة كتاب ومؤلفين‬
    ‫يغضب ولمن يفرح‪ ،‬إنما هم في العادة يكتبون‬                  ‫وموسيقيين وسياسيين يهود وغربيين‪،‬‬
  ‫ليعلنوا عن هذه السلطة‪ ،‬ربما دخلوا في صراع‬           ‫ليبراليين وشيوعيين‪ ،‬ومن يتتبع هذه المسألة في‬
    ‫صامت بين بعضهم البعض‪ ،‬ليعزز كل واحد‬                  ‫كتاب (برنن) سيرى عد ًدا لا بأس به من هذه‬
    ‫منهم حضوره وحده‪ .‬ولا تظهر جهود النقاد‬               ‫الشخصيات التي كان لها تأثير قوي في حياته‬
      ‫الآخرين إلا في الدراسات المحكمة‪ ،‬يجبرهم‬           ‫وعلى نظرته للأمور‪ ،‬لقد منحته هذه الصدقات‬
 ‫عليها (برتوكول) الدراسة المحكمة‪ ،‬وليس رغبة‬            ‫اختبار الآخرين عن قرب‪ ،‬وفهمهم بشكل أعمق‪،‬‬
    ‫منهم في الإشارة إلى غيرهم‪ ،‬إن هذا لا يعني‬          ‫فقد كان سعيد يقرأ الأفكار أي ًضا خلال علاقاته‬
  ‫بالمطلق انعدام المسؤولية الأخلاقية لدى النقاد‪،‬‬           ‫الممتدة مع هذه النخبة المثقفة‪ ،‬ويبني سلطة‬

                                                                                        ‫نقدية مطلقة‪.‬‬
                                                                                             ‫يحرص‬

                                                                                          ‫النقاد ‪-‬كما‬
                                                                                           ‫كان سعيد‬
                                                                                          ‫أي ًضا‪ -‬على‬

                                                                                             ‫ألا يكرر‬
                                                                                              ‫أحدهم‬
                                                                                            ‫الآخرين‪،‬‬
                                                                                           ‫ويتجنبون‬
                                                                                         ‫قراءة الكتب‬
                                                                                           ‫التي قرأها‬
                                                                                         ‫غيرهم‪ ،‬وإذا‬
                                                                                          ‫ما تناولوها‬
   45   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55