Page 53 - merit 49
P. 53

‫‪51‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

 ‫تتراءى للبعض بشكل عام وللفنانين بشكل خاص‬                  ‫دلالات ومعاني جديدة‪ ،‬من خلال إعادة ترتيبها‪.‬‬
  ‫بوصفها منابع ثرة للصورة‪ ،‬تقع أي ًضا في ماهية‬             ‫وعلى هذا الأساس تكون الصورة الشعرية «هي‬
                                                          ‫العملية الشعرية كاملة‪ ،‬تعكس واق ًعا فنيًّا موح ًدا‪،‬‬
                                 ‫هذه الصورة»‪.‬‬
‫إن لمكونات الجانب النفسي في عملية إنتاج الصورة‬                ‫دا ًّل إيحائيًّا منتظ ًما‪ ،‬وتشكي ًل محد ًدا‪ ،‬تحكمه‬
                                                        ‫حركة متصلة‪ ،‬تحدد بانتهاء دائرة الصورة المنجزة‬
    ‫الشعرية دو ًرا أساسيًّا في تركيز واختصار كل‬          ‫داخل السياق العام»‪( .‬سمير علي سمير الدليمي‪»:‬‬
     ‫المرجعيات الحسية‪ ،‬في حركية نفسية‪ ،‬تتعامل‬
      ‫مع كل المعطيات المرئية تعام ًل يرتدي دلالات‬             ‫الصورة في التشكيل الشعري» ص‪)87 -86‬‬
   ‫نفسية يصعب تحقيقها في العيان‪ .‬فكل الدلالات‬                  ‫وإذا حاولنا التدقيق في مصدر هذه التركيبة‬
  ‫الواقعية‪ ،‬تتحول في الصورة الشعرية إلى دلالات‬           ‫التعبيرية (أقصد الصورة)‪ ،‬فإنه سيظهر لنا عبارة‬
   ‫سيكولوجية‪ ،‬فحتى الأمكنة‪ ،‬هي أمكنة نفسية لا‬              ‫عن نوع من الكثافة الوجدانية والنفسية المشكلة‬
 ‫غير‪ .‬الزمن أي ًضا لا ينضح بغير شحناته النفسية‪،‬‬              ‫في حزمة رموز تعود بالصورة إلى منطقة اللا‬
     ‫وعلى الذات الشاعرة أن تخلق في هذه العملية‪،‬‬           ‫شعور الذي هو مجال خصب لمادة الشعر‪ .‬وعليه‬
  ‫حوا ًرا جوانيًّا يستنطق مناطق اللاشعور وجهات‬                ‫فإن الصورة الشعرية‪ ،‬هي تعبير ملغوم‪ ،‬عن‬
    ‫الغرابة فيه‪« .‬ومن هنا كانت الصورة دائ ًما غير‬           ‫تركيبة نفسية معينة‪ ،‬مصدرها تفاعل الذات في‬
 ‫واقعية وإن كانت منتزعة من الواقع‪ ،‬لأن الصورة‬               ‫هذا الوجود مع التجارب الأخرى‪ ،‬في أفق نسج‬
  ‫الفنية تركيبة وجدانية تنتمي في جوهرها إلى عالم‬         ‫وتلمس سيكولوجية الذات الشاعرة‪ ،‬بشعورها ولا‬
    ‫الوجدان أكثر من انتمائها إلى عالم الواقع» (عز‬          ‫شعورها‪ ،‬مما يجعل اللحظة الشعرية‪ ،‬من خلال‬
‫الدين إسماعيل‪« :‬الشعر المغربي المعاصر‪ -‬قضاياه‬            ‫الصور الشعرية‪ ،‬محاولة واعية لإعادة ترتيب هذا‬
                                                        ‫التفاعل الكيميائي داخل اللاشعور‪ ،‬وحبكه في قالب‬
              ‫وظواهره الفنية والمعنوية» ص‪.127‬‬           ‫صوري‪ ،‬قد يكون بصر ًّيا أو سمعيًّا أو سيكولوجيًّا‪.‬‬
   ‫وكلما استطاعت الصورة أن تستنطق المخبوء في‬               ‫إلا أنه‪ ،‬على الرغم من وعينا بهذه اللحظة‪ ،‬يتسلل‬
 ‫دهاليز الوجدان‪ ،‬إما عن طريق الإدراك الحسي أو‬            ‫مجموع العناصر اللاشعورية‪ ،‬بشكل إرادي وغير‬
 ‫الحدس أو الخيال أو الرؤيا‪( ،‬وهي ذروة التصوير‬             ‫إرادي‪ ،‬من رقابة الوعي إلى فضاء الصورة‪ ،‬قصد‬
   ‫الشعري الذي يتحول فيه الشاعر إلى نبي يكتنه‬
   ‫حقيقة وجوده ويستشرف آفاق مستقبله)‪ ،‬كلما‬                                        ‫طبعها بطالع الصدقية‪.‬‬
‫أشعت الضياء في الأشياء‪ ،‬لينقشع الوجود بشكل لا‬                 ‫وبهذا المعنى تكون الصورة الشعرية‪ ،‬شعو ًرا‬
  ‫لبس ولا غموض فيه‪ .‬فلا يمكن أن نتصور شع ًرا‬              ‫وجدانيًّا‪ ،‬بحجب أكثر رهاف ًة وعم ًقا‪ ،‬ليس في مكنة‬
‫نوعيًّا‪ ،‬يريد أن يكون نفا ًذا ونبوئيًّا‪ ،‬بدون أن ينبني‬   ‫غير الخيال‪ ،‬تخطيط ملامحها‪ ،‬وهتك حجبها‪ .‬يقول‬
 ‫على الصورة النفاذة‪ ،‬والرؤيا التي‬
                                                                                ‫الدارس سمير علي سمير‬
    ‫تعشق امتلاك الأشياء على حد‬                                                    ‫الدليمي‪« :‬وتظل الرؤى‬
            ‫تعبير الناقد أدونيس‪.‬‬
                                                                               ‫في الأحلام أو التهيؤات أو‬
    ‫وحتى تصل الصورة الشعرية‬                                                   ‫تداعيات الصور واختراقها‬
      ‫إلى هذا المستوى من الدهشة‬                                             ‫وتأليفها في المخيلة والخواطر‬

 ‫والإضاءة‪ ،‬لا ينبغي لها أن تفارق‬                                                   ‫الجميلة والإحساسات‬
  ‫ذلك الناظم الرؤياوي الذي يوحد‬                                                   ‫الشعرية‪ ،‬تظل كل هذه‬
                                                                                 ‫في ماهية الصورة سواء‬
     ‫بين المتناقضات‪ ،‬لأجل الخلق‬                                                 ‫منها الأشكال الناقصة في‬
  ‫والابتكار‪ ،‬في تجاوز تلقائي لمبدأ‬                                             ‫الحلم أم الخيال أم الكاملة‬
‫المقايسة‪ .‬فالشاعر الذي لا يستطيع‬                                               ‫أم الترائي الممتد والمتلاحق‬
 ‫تفجير مخيلته‪ ،‬والإتيان بمثل هذه‬                                                 ‫الخطوط والأشباح التي‬
 ‫الصور الرؤياوية‪ ،‬أو أن يتفنن في‬
   48   49   50   51   52   53   54   55   56   57   58