Page 54 - merit 49
P. 54

‫عز الدين إسماعيل‬  ‫أدونيس‬                                          ‫كلما استطاعت الصورة أن‬

     ‫الفائقة على خلق عوالم الغرابة في لحظات‬                   ‫تستنطق المخبوء في دهاليز‬
                             ‫رمزية مطلقة‪.‬‬
                                                             ‫الوجدان‪ ،‬إما عن طريق الإدراك‬
    ‫إن وظيفة الصورة الشعرية من خلال هذا‬
     ‫الفهم‪ ،‬هي من جهة أولى وظيفة حوارية‪،‬‬                     ‫الحسي أو الحدس أو الخيال أو‬
    ‫وذلك بفتحها لأبواب المساءلة داخل الذات‬
                                                              ‫الرؤيا‪ ،‬كلما أشعت الضياء في‬
‫المبدعة‪ ،‬وكذا الذات المتلقية‪ ،‬قصد استنطاق المجهول‬
      ‫واستكشاف ضفافه‪ ،‬وأي ًضا بفتحها (الوظيفة‬             ‫الأشياء‪ ،‬لينقشع الوجود بشكل لا‬
     ‫الحوارية) نقا ًشا مطو ًل بين أفق انتظا ر �‪hori‬‬
                                                           ‫لبس ولا غموض فيه‪ .‬فلا يمكن‬
 ‫‪ zon d’attente‬الشاعر الذي يروم تغيير المفاهيم‬
 ‫والمعايير المتداولة‪ ،‬بفعل الانزياحات المتكاثرة داخل‬         ‫أن نتصور شعًرا نوع ًّيا‪ ،‬يريد أن‬
‫الصورة الشعرية‪ ،‬وبين أفق انتظار المتلقي الذي من‬              ‫يكون نفا ًذا ونبوئ ًّيا‪ ،‬بدون أن‬

   ‫المفروض أن يتفاعل مع هذه الصور‪ ،‬بعد مرحلة‬                     ‫ينبني على‪ ‬الصورة‪ ‬النفاذة‪.‬‬
                          ‫المتعة والفتنة والدهشة‪.‬‬
                                                      ‫عملية الربط بين أطراف الأشياء المتضادة‪ ،‬إنما ينتج‬
    ‫ومن جهة ثانية هي وظيفة فيتيشية وشهوانية‪،‬‬                    ‫صو ًرا تموت لتوها بعد ولادتها مباشرة‪.‬‬
     ‫تنحو من ًحى إيروتيكيًّا بفعل الفتنة التي تخلقها‬
‫الصورة‪ ،‬في ذات القارئ‪ ،‬وكذا اللذة التي يشعر بها‪،‬‬            ‫هكذا نستنتج أن الصورة الشعرية‪ ،‬قد تكون‬
  ‫وهو يراود مناطق الإغراء والإثارة‪ ،‬بغية الكشف‬          ‫خلاقة‪ ،‬فتحدث الدهشة والمتعة في نفسية المتلقي‪،‬‬
    ‫عن خبايا الوجود‪ ،‬وضفاف المجهول‪ ،‬مما يخلق‬
    ‫لديه حالة من الإشباع‪ ،‬بعد كل قراءة‪ -‬مراودة‪.‬‬              ‫وهي بذلك‪ ،‬تضمن لنفسها حق الاستمرارية‬
    ‫وهنا‪ ،‬تحدي ًدا‪ ،‬يمكن التحدث عن تعدد القراءات‬        ‫والديمومة‪ ،‬وقد تكون تشبيهية وتمثيلية‪ ،‬على حد‬
  ‫بالنسبة للصورة الواحدة‪ .‬فمع كل قراءة جديدة‪،‬‬          ‫تعبير أدونيس‪ ،‬حينها تتجرد من الناظم الرؤياوي‪،‬‬
 ‫نستكشف جزيرة من أرخبيل الصورة‪ ،‬ودلالة من‬               ‫وتبنى على الانفعال العابر‪ ،‬معلنة بذلك عن موتها‬

                                        ‫دلالاتها‬                                              ‫الفوري‪.‬‬
                                                         ‫إن الصورة الشعرية الخلاقة‪ ،‬من بين ما تراهن‬
                                                       ‫عليه‪ ،‬هو إحداث المتعة واللذة والتأثير‪ ،‬في صفوف‬
                                                      ‫جمهور القراء‪ ،‬على اختلاف تلويناتهم الفكرية‪ ،‬وكذا‬
                                                      ‫تشكيلاتهم الطبقية‪ ،‬وعلى امتداد العصور والأزمنة‪.‬‬

                                                              ‫إنه الشعر الحقيقي‪ ..‬شعر الروائع الخالدة‪.‬‬
                                                           ‫واهتمام من هذا القبيل بالصورة الشعرية‪ ،‬هو‬
                                                       ‫اهتمام أي ًضا بالمتلقي وبالأثر الذي تحدثه الصورة‬
                                                       ‫فيه‪ .‬المتعة‪ ،‬اللذة‪ ،‬الدهشة‪ ،‬الفتنة‪ ،‬كلها تعابير تعبر‬
                                                      ‫عن إحساس واحد يعكس جمالية الصورة وقدرتها‬
   49   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59