Page 82 - merit 49
P. 82

‫العـدد ‪49‬‬             ‫‪80‬‬

                                                        ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬

     ‫العناصر المشتبه بها في المجتمع؛ لمعرفة نزعات‬       ‫فللدبور عينان مركبتان وثلاث أعين بسيطة تمنحه‬
‫البشر وقراءة نواياهم‪ ،‬كفعل استباقي للحؤول دون‬            ‫حدة الرؤية وحساسية استشعار الحركة‪ ،‬عدا في‬
‫وقوع الأذى أو لإيقاعه‪ ،‬وربما استخدمت المسيَّرات‬         ‫الظلام؛ فحينها يصير أعشى‪ .‬وأنا في واقع الحال‪،‬‬
                                                                     ‫لم أ َر ضيفي سوى في رابعة النهار‪.‬‬
     ‫الحديثة التي تأخد شكل الدبابير لهذا الغرض‪.‬‬         ‫خلال اليومين الماضيين‪ ،‬فيما أخذ كلانا يحملق في‬
     ‫وفيما كنت أغوص في بحثي عن مكنون الدبور‬             ‫الآخر‪ ،‬جال في خاطري سؤال‪ :‬هل يراني كما أراه‪،‬‬
 ‫الذي يزورني منذ أيام؛ وقراءة كل ما يتصل بعالم‬          ‫أم أنني بالنسبة له حيز من ظل وضوء في موجات‬
    ‫الدبابير؛ وربما كان الحال أن الدبور أي ًضا كان‬        ‫الشمس المنيرة؟ لا يمكن أن أكون ظ ًّل فقط‪ ،‬وإلا‬
   ‫هو الآخر منغم ًسا باهتمام فيما يبحثه ويعنيه في‬         ‫لما كل هذا التركيز في نظرة ضيفي إل َّي؟ هل يرى‬
   ‫شخصي‪ ،‬أو في فضائي الخاص المحيط بي؛ غير‬               ‫الدبور عالمنا كما نراه‪ ،‬أم هل يراه مغاي ًرا كما تراه‬
 ‫أن الضيف غير المرحب به‪ ،‬قرر قطع حبل أفكاري‬                   ‫النحلة بأبعاد وتفاصيل مغايرة للتي نراها؟‬
    ‫وسيل تفسيراتي وبحثي؛ بمغادرته المكان دون‬
                                                        ‫الخميس ‪ ١٩‬مايو ‪٢٠٢٢‬م‬
                                         ‫رجعة‪.‬‬
                                                          ‫أحاول التركيز في عينيه‪ ،‬وكذلك يفعل هو؛ إني لا‬
       ‫الجمعة ‪ ٢٠‬مايو ‪٢٠٢٢‬م‬                             ‫أدري عما يبحث كلانا؛ لعلي أكون منجذ ًبا لفكرة أن‬

   ‫أتطلع في الأنحاء‪ ،‬أتفحص الجوار‪ ،‬بعد أن أزحت‬            ‫وراء حملقة الدبور ما ورائها؛ لذا وجدتني أبحث‬
     ‫الستارة‪ ،‬وحدها أوراق السنديانة تتراقص مع‬            ‫عن أي شيء غير مألوف في تلك الحشرة الطائرة‪،‬‬
    ‫نسمات الهواء‪ ،‬ولا أثر للدبور‪ .‬انتظرته طوي ًل‪،‬‬       ‫عله يفسر لي ذلك الاهتمام‪ .‬قلَّبت كل الاحتمالات في‬
     ‫لعل المانع خي ًرا‪ .‬تراودني رغبة دفينة لعودته‪،‬‬
                                                                       ‫رأسي‪ ،‬المنطقي منها وغير المعقول‪.‬‬
‫ومواصلة ذلك التثاقف دون نصوص؛ ذلك الغوص‬                     ‫لعل الدبور لا يتطلع ف َّي‪ ،‬إنما هدفه من ارتطامه‬
‫في الاحتمالات التي كانت وما زالت إبدا ًعا بشر ًّيا لا‬        ‫المتكرر بزجاج نافذتي هو تهشيم ذلك الساتر‪،‬‬

                                       ‫يضاهى‪.‬‬                 ‫الذي يحول دون ولوجه لغرفة المكتب؛ فربما‬
    ‫لا أدرى لماذا‪ ،‬ولكن مؤخ ًرا بدأت تل ُّح عليَّ فكرة‬    ‫كان في الماضي القريب كل من فضاء هذه الغرفة‬
                                                         ‫والسنديانة المطلة على المدخل قبل تشييد البيت‪ ،‬هو‬
         ‫الدبور المسيَّر‪ ،‬وهو أحدث ما توصلت إليه‬        ‫الملاذ الطبيعي أو البيئة الحميمة للدبور‪ ،‬ولهذا فأني‬
 ‫تكنولوجيا المراقبة بالطائرات المسيرة؛ وهي بحجم‬
‫طرف الأصبع الخنصر‪ .‬وبإيعاز من ضيفي الدبور‪،‬‬                  ‫في نظره أكون الغازي المعتدي‪ ،‬الذي يستوجب‬
‫صرت مؤخ ًرا مهت ًّما بمسيرات الدبابير‪ ،‬حيث قرأت‬                                         ‫طرده من المكان‪.‬‬
 ‫في تغريدة في تويتر عن قيام جهاز أمني باستخدام‬
                                                              ‫فكم قد تعرض عمال البناء للسعات الدبابير‪،‬‬
    ‫دبور مسيَّر مزود بطلقة للتخلص من أحد قادة‬                  ‫وهجمات العناكب‪ ،‬التي تصر على إعادة بناء‬
   ‫الحركات المسلحة‪ .‬فور وصول الدبور إلى نافذة‬                 ‫شبكاتها‪ ،‬وممارسة حياتها في ملاذات بيئتها‬
    ‫الغرفة التي كان ينام فيها الهدف‪ ،‬حطم الدبور‬         ‫الطبيعية‪ ،‬التي كانت فيما مضى‪ ،‬أر ًضا زراعية قبل‬
     ‫المسيَّر زجاج النافذة وتمكن من مباغتة الهدف‬
                                                                         ‫تشييد هذه المباني الحديثة عليها‪.‬‬
                                     ‫برصاصة‪.‬‬            ‫أما المقاربة غير العقلانية التي فكرت فيها‪ ،‬والتي قد‬
     ‫كذلك استهوتني متابعة فكرة وردت في كلمات‬            ‫تذهب بعي ًدا في نسج نظريات المؤامرة‪ ،‬فهي متصلة‬
     ‫مقتضبة في بعض الأخبار التي تناولت الحرب‬            ‫بالأخبار التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي‪،‬‬
   ‫الدائرة رحاها في القارة الأوروبية‪ ،‬حيث أشارت‬
    ‫التقارير الإخبارية عن أبحاث وتجارب متطورة‬              ‫حول كيفية استخدام الأفراد والأجهزة المختلفة‪،‬‬
      ‫يجريها أحد المراكز البحثية المعنية بالأمن على‬      ‫بما فيها أجهزة فرض القانون في عصرنا؛ لأدوات‬
 ‫الحشرات‪ ،‬وتحدي ًدا الدبابير منها؛ وتوصل العلماء‬          ‫الثورة الرقمية للحصول على المعلومات أو مراقبة‬
   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87