Page 85 - merit 49
P. 85

‫‪83‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

 ‫النسوة تجمعن حول الجاموسة يحاولن حلبها‬            ‫الشمس‪ ،‬وغيابها‪ ،‬فلا أحد يعرف لماذا ومتى قرر‬
  ‫وهو يعبث بعصا صغيرة في ركية النار أمامه‬          ‫أن يفعلها؟ أن يضربها! هو نفسه بعد ذلك بأيام‬
                                                     ‫كثيرة سيحاول فلا يتذكر‪ ،‬ربما لم يقرر أص ًل‬
                                      ‫ويفكر‪:‬‬
       ‫‪ -‬المرة بنت الكلب تمشي وتسيب البيت؟‬                           ‫واحتدمت الأمور هكذا فجأة‪.‬‬
 ‫امرأة خبيرة بطبيعة الأمور خدعت البهيمة؛ بأن‬           ‫جرت للخارج وهي تحاول ربط طرحتها على‬
   ‫لبست جلبا ًبا لزوجته‪ ،‬وانطوت الخدعة ولكن‬        ‫شعرها الأبيض‪ ،‬حاولت لبس مداسها‪ ،‬كادت أن‬
  ‫السيدة لم تجئ مرة ثانية ولم تعاود المحاولة‪.‬‬         ‫تقع على كوم السباخ‪ ،‬فتركت مداسها ومشت‬
  ‫لي ًل يكون متعبًا ولكن لا يأتيه النوم‪ ..‬يفكر في‬   ‫حافية‪ ،‬وسبت زوجها الذي خ َّرب عق َل ُه الشي ُب‪،‬‬
 ‫نفسه وفيها‪ ،‬وفى طيور السطح‪ .‬يتذكر الآن أنه‬           ‫وأكملت إلى بيت أخيها ‪-‬الذي صار الآن بيت‬
  ‫يو ًما فكر أن الجاموسة التي تسبق هذه كبرت‬
     ‫ويجب بيعها‪ ،‬قاومته طوي ًل ثم استسلمت‪،‬‬                         ‫أولاد أخيها‪ -‬فكرت في نفسها‪:‬‬
   ‫شريطة أن تذهب معه للسوق‪ ،‬أقسم للرجال‬                                        ‫‪ -‬لو كان لي ابن‪..‬‬
 ‫في العصر وهم يشربون الشاي أنه رأى دمو ًعا‬
 ‫في عيني زوجته‪ ،‬وعيني البهيمة كذلك! ضحكوا‬              ‫ولم تكمل التفكير‪ ،‬فقد كان عد ُد ممن جذبهم‬
      ‫ولكنه لم يضحك‪ ،‬فقد كان يتحدث صد ًقا‪.‬‬          ‫صوته يقفون يطلبون منها أن تصلي على النبي‬
  ‫عندما أتى الصباح كان قد استقر رأيه على أن‬
    ‫يضطر هو صور ًّيا إلى الاستماع إلى جاراته‬                    ‫محمد‪ .‬ولكنها أصرت على الذهاب‪.‬‬
‫اللائي أصررن على الذهاب والإتيان بها من بيت‬         ‫صار هو وجاموسته وحقله بلا راع‪ ،‬ليعرف في‬
   ‫أخيها‪ .‬عادت‪ ..‬دخلت لتتفقد جاموستها أو ًل‪،‬‬        ‫كل ساعة تمر أن أشياء كثيرة يجب أن ُتصنع‪..‬‬
  ‫ثم طيور السطح‪ ،‬ثم غسلت الواعين التي نمى‬
‫الفطر فوقها‪ ،‬شعرت بالراحة فجلست ثم سألته‪:‬‬                             ‫لا يعرف هو كيف يصنعها‪.‬‬
‫(كلت؟)‪ ،‬وشعر هو بالسعادة‪ ،‬كان شعوره خفيًّا‬                ‫إنه لا يجيد إشعال النار ويخنقه دخانها‪،‬‬
   ‫لم يخرج حتى إلى ملامح وجهه‪ ،‬ولكن عندما‬             ‫ليس للشاي نفس المذاق‪ ،‬كيف سيتصرف مع‬
                                                        ‫الجاموسة؟ كانت قد ربتها صغيرة‪ ،‬وكانت‬
                ‫أتى الليل وحاولا النوم‪ ،‬قالت‪:‬‬           ‫وهي ذاهبة وراءه بالإفطار‪ ،‬وعندما تقترب‬
                        ‫‪ -‬فيك عافية تضرب؟‬            ‫من مربطها‪ ،‬تراها البهيمة قادمة فترفع رأسها‬
                                                          ‫وتنظر‪ ،‬وتصدر عنها أصوات تشبه تدلل‬
   ‫فزام ونظر في اتجاه الحائط ولم يرد‪ .‬ثم قال‬              ‫الأطفال‪ ،‬لم يكن لأحد أن يحلبها سواها‪.‬‬
                     ‫كأنما لا يوجه كلامه لها‪:‬‬          ‫لم تستطع كل هؤلاء النسوة ‪-‬اللائي حاولن‬
                                                          ‫المساعدة‪ -‬حلبها‪ ،‬حيث تستدير وتتشمم‬
           ‫‪ -‬تمشي وتسيبي الطيور الخرسة؟‬                 ‫الجالسة أسفلها لتهيج وترفس من يقترب‪،‬‬
                                    ‫فلم ترد‪.‬‬        ‫وللأمر عواقب‪ ..‬فإن تركوها ستظل الجاموسة‬
                                                   ‫تصرخ طوال الليل من ضرعها الممتلئ‪ ،‬ثم يجف‬
                                                   ‫تدريجيًّا‪ ،‬ولن تعطي لبنًا إلا بعد الولادة القادمة‪.‬‬
   80   81   82   83   84   85   86   87   88   89   90