Page 89 - merit 49
P. 89
87 إبداع ومبدعون
قصــة
لنفسه محد ًقا نحو الشرفة فار ًدا ذراعيه: -كيف فعلت بي كل ذلك يا فتى؟!
-كل هذا يزول؟! لا لا لا ..يجب حل هذا الأمر. عمد الوالي إلى ملاصقة جبهتيهما ،فالتقت العينان
احتواه شعور بالوحشة؛ فلا كهنة معبد يتآزر بهم،
ك ِست منادي منتوسا ،ولا أصدقاء يأنس إليهم عند بالعينين والأنف بالأنف ،وأخذ يربت بأصابعه
الشدائد ،حتى الوالي الذي طالما كان س ًّدا مني ًعا؛ الطرية على خديه الحمراوين ،وكلمه بتؤدة وروية:
يقيم ظهره ويقيه عواصف الطامحين بالقصر،
الحين يقاسمه فيه آخرون ،بل أسفر له عن وجهه -غ ًدا يوم سعدك ..الفرصة لن تتكرر ..أرني
الآخر .نهض من فراشه مندف ًعا صوب الشرفة، براعتك.
إذ تناهي إليه حسيس ،كأنه ضحكات خجلة، وابتعد الوالي بمهل ،وقد غاضت ابتسامته وتصلبت
تخشي الإمساك بها ،كانوا بعض خدمه ومماليكه ملامحه على نحو قاس مرد ًفا:
يتسامرون ،أصغي مليًّا ،لعله يلتقط كلمة تؤكد ما
جال بخاطره ،لم تصله سوى قهقهات ،وقتئ ٍذ مال -بالطبع تدرك ضجر الرعية من الغلاء وغلظة
الأغاوات ..قبل أن يحل مساء الغد ،اسحر الرعية..
بجذعه على سور الشرفة وصرخ فيهم: أبدل سخطهم رضا ..هذا أمر ،وإلا ..وأنت تعرف
-يا أولاد الأفاعي ،أعلم ما ُتكنون ،وما يضحككم
ما بعد إلا.
وفيما تتهامسون ..هل نسيتم من أكون؟
أنا المنادي؛ نديم الوالي ،مؤكد أنكم -3
تنتظرون سقوطي ،أنا أنا أنا ..أنا لا طالت ليلته ..ظل يتقلب على سريره تساوره
أسقط. الهموم ..زادت مخاوفه واضطرابه ،ما اكتشفه
هبط إلى حديقته الخلفية بعي ًدا عن مؤخ ًرا؛ اجتباء الوالي فتية آخرين بذات
الأعين ،كانت الفوانيس المبثوثة بها الحديث والزلفي .حتى انفراد ذاك الوزير
على الأعمدة الرخامية تبعث أضوا ًء
مضطربة شاحبة ،طاف بينها به ،كان يخيل إليه ،أنه أقرب الناس
دون أن ينتبه لحفيف الشجر جمي ًعا إلى قلبه ..الوزير أجلى غشاوة
وخرير جدول المياه ،غير
أن صرير الجنادب ونقيق حجبت عنه حقائق جمة غابت عنه.
الضفادع يؤزان غضبه، في بادئ الأمر ،لم ُيسلِّم بصدق
جلس على قاعدة تمثال الوزير ..راحت تتجاذبه نفسه،
فاره لطفل بجناحين فربما هذا الوزير يغار من
قربه للوالي ،ويبتغي وغر
مرتخيين ،ينحني صدره عليه.
رأسه إلى كتفه بوداعة، طفقت يداه وهو مستل ٍق على
السرير تجوبان الفراش
تعلق نظره به لبرهة، الوثير ،وتتحسسان قفطان
ثم انصرف يقول في الحرير الناعم الذي يسبغ
على جسده الراحة والأبهة،
نفسه ،فيما كفوفه حلَّق بصره في أرجاء الغرفة
تنكفئ وتعتدل ،وتعلو الواسعة ،بأبسطتها المخملية
وتهبط متفاعلة بنبرة الفخمة ،وأرائكها الموزعة
على أركان الغرفة بإتقان لا
صوته: ينقصه ذوق را ٍق ،والمناضد
-المنادي ليس فقط الصغيرة والكبيرة تعلوها
جهوري ،ولا راكب دابة َص َوا ٍن مذهبة تضيق بالفواكه
قارع للطبل؛ المنادي مقنع، وأباريق المشروبات .فقال