Page 90 - merit 49
P. 90
العـدد 49 88
يناير ٢٠٢3
عينيه هات ًفا: ساحر ..فكيف أسحر هؤلاء المغفلين؟
-ها ..لا أسمعك يا سيدي. دنت شمس الشروق من الأفق الملتهب ،المتهيئ
لم يلتفت إليه المنادي ،إنما كان يشخص ببصره لالتقاطها في حضنه السرمدي ،وحينما بز حافة
للعازفين ،رفع ذراعه باس ًطا كفه مفر ًقا بين قوسها المجلل بالاحمرار ،توهج وجهه فجأة،
وأبرقت عيناه ،بعد ليلة مثقلة بأوجاسه ،ومكفهرة
أصابعها ،فقبضها بشدة: بعبوسه ،فأخذ يتقافز ،ويجري هنا وهناك ،و ُيقبل
-كفى كفى كفى ..احفظوا هذه الكلمات ونغموها؛ التماثيل المنصوبة وأعمدة الفوانيس ،كان يهتف
إنها نشيد سعدكم ..قولوا جمي ًعا: بحماس وابتهاج كمن أصابته لوثة:
عاش الوالي حبيب الشعب -وجدته ..وجدته..
عاش الوالي خصيم الفقر
من فوره ،جمع مماليكه وخدمه ثم ج َّزأهم؛ منهم
دخل بعجلة ليرتدي حلته ،وقلنسوة أبى من قبل لتجهيز موكب الأعلام ،وقد حثهم على زيادة الخيل
وضعها على رأسه بد ًل من العمامة ..اختطفها والعربات والطبول ،والبعض لشراء أجود الأبواق
من المشجب العامودي ..جعل يضعها على رأسه والكوسات النحاسية ،وأناط بآخرين مهمة جلب
وينزعها بشيء من الحيرة ..وقف أمام المرآة بعض المماليك من السوق ،من لهم دراية بالعزف
يتأمل هيأته الجديدة وهو يتمايل ويثب على أنغام عليها ،وجعل يهز سبابته في وجوههم:
العازفين ..نضح على ملابسه ووجنتيه بعض -أريد طبلخاناه ،تفوق طبلخانة السلطان.
الطيب .حين بغته أحد مماليكه بالدخول دون انصرفوا مندهشين لطلباته الغريبة ،وراحوا
استئذان ،كان يردد بانسجام كلمات النشيد.. يتفرقون في ردهات القصر يتهامسون ويمطون
شفاههم ،يحدوهم إشفاق وحزن كبيرين لاضطراب
وجده قبالته تما ًما وفرائسه ترتعد ..أنفاسه تلاحق سلوكه .استوقفهم صوته المجهد محذ ًرا:
بعضها بع ًضا ..قال كلا ًما لا يكاد يبين: -في الظهيرة سيتحرك الموكب ،لن أقبل إهما ًل أو
-كل طوائف هاه هاه هاه الشعب نزحت لديوان إغفا ًل.
الـ ..هاه هاه والي ،الجميع يهتفون بغضب :يسقط
-4
يسقط حكم الوالي.
تجمدت ملامح المنادي ،ألقى القلنسوة على الأرض اجتمع الموكب المهيب أمام القصر ،أطل عليهم
بخيلاء من شرفته ،كانوا مجموعات مصفوفة؛
ورد عمامته لرأسه ،وانطلق للخارج ،كانوا لا المقدمة لضاربي الطبول ،المنتصف نافخي الأبواق،
يزالون يهتفون بحماس ثم صافقي الكوسات النحاسية بالمؤخرة ،ابتهج
لتوحد ألوان الأردية؛ كل مجموعة على حدة؛ أحمر،
عاش الوالي حبيب الشعب فأخضر ،فأصفر .بقي سماع عزفها ،أشار بالبدء.
طفق يصرخ ويلوح بيديه وجسده يشخب عر ًقا من
ما سمعته أذناه فاق توقعه ،دس أصبعيه في
كل مسامه: فمه وراح يصفر ويصفق منتشيًا ،ويصيح لأحد
-لا لا لا ..ر ِّد ُدوا:
يسقط يسقط والي الغم مماليكه بكل عزمه:
يسقط يسقط راعي الظلم -ماهرون ماهرون! من أين جلبتهم؟!
وسار بموكبه ،فاختلط بجموع الشعب الساخط لم يسمعه المملوك ،فالمعازف أحالت سكون المكان
حول قصر الوالي ،كان يصرخ والشعب يردد ورهبته ،لقيسارية خورشيد بك في ضجيجها ،فعمد
إلى طرفي أذنيه ،يدفعهما للأمام بكفيه المجوفين
وراءه: ليصغي إليه ،يئس أي ًضا من سماعه ،دقق في حركة
يسقط يسقط والي الغم شفتيه ،ثم لوي جانب وجهه جهة المنادي ،وأغمض
يسقط كل كلاب الظلم