Page 86 - merit 49
P. 86

‫العـدد ‪49‬‬                            ‫‪84‬‬

                                                                 ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬

‫عائد خصباك‬

‫العراق‬

‫بعضهم يحُّبها ساخنة‬

   ‫جاءت له فكرة أن يذهب إلى «فيصل» زميله على‬              ‫استمع الفتى للخبر الذي بثته إذاعة بغداد في‬
  ‫مقاعد الدراسة‪ ،‬مع أنه لا يميل إلى صحبته دائ ًما‪،‬‬    ‫أخبارها الصباحية‪ ،‬وكان في مقدمتها وفاة الممثلة‬
 ‫أو هو بصراحة لا يطيقه في الأوقات التي يأتي بها‬     ‫مارلين مونرو منتحرة‪ ،‬وفي الحال توقف عن تناول‬
                                                       ‫الفطور‪ ،‬وقد أذهلته الصدمة‪ ،‬كل شيء يمكن أن‬
    ‫إلى سيرة مارلين‪ ،‬لأنه بمناسبة وبغير مناسبة‪،‬‬
  ‫ُيخرج له من جيبه صورتها ملونة‪ ،‬وعلى الصورة‬            ‫يتوقعه إلا مثل هذا الخبر‪ ،‬وعندها لم يعد يطيق‬
                                                           ‫البقاء في البيت‪ ،‬فقد وصل جزعه إلى منتهاه‪.‬‬
            ‫اسمها بخ ِّطها واض ًحا وتحته توقيعها‪.‬‬
       ‫كان فيصل هذا يهوى مراسلة ممثلي سينما‬          ‫كان بحاجة الى من يك ِّذب هذا الخبر‪ ،‬فمن تستطيع‬
      ‫هوليوود‪ ،‬ويطلب في مراسلاته تلك صورهم‬           ‫بعدها أن تأتي بما أتت به مارلين من سحر وفتنة‬
   ‫الشخصية‪ ،‬وحدث أن استجابت مارلين ‪-‬أو من‬
      ‫يقوم بذلك نيابة عنها‪ -‬لطلبه‪ ،‬وبعثت له تلك‬                                      ‫وإثارة للشغف‪.‬‬
 ‫الصورة‪ ،‬التي كتبت فيها وبالإنجليزية‪ :‬إلى فيصل‪،‬‬       ‫من يومها أحس الفتى أنها توأم روحه‪ ،‬بل وأكثر‬
   ‫مع أطيب التمنيات‪ .‬كان حلم الفتى أن تكتب بدل‬      ‫من هذا‪ ،‬هي ملك له‪ ،‬وأنها اقترنت عن طريق الخطأ‬
‫اسم فيصل اسمه‪ ،‬لكن ذلك لم يحصل‪ ،‬مع أنه بعث‬
‫على عنوانها في هوليوود بدل الرسالة الواحدة ثلاث‬           ‫بآرثر ميلر‪ ،‬مع أنه كان كاتبًا تعرفه الأوساط‬
‫رسائل‪ .‬ومع عدم وصول شيء منها لم يخفت نور‬             ‫جميعها‪ ،‬ولكن هذه الرباط سينهد يو ًما دون ريب‪،‬‬
   ‫حبه لها‪ ،‬قل هو ازداد أكثر‪ ،‬فظلَّت ساخنة الأيام‬    ‫واليوم قريب دون شك‪ ،‬فقد صارحته مارلين مرة‬

                                          ‫كلها‪.‬‬        ‫وهما في لحظة عدم توافق‪ :‬بصراحة يا آرثر‪ ،‬أنا‬
     ‫يقع منزل فيصل في الضواحي‪ ،‬وبعدما ضرب‬             ‫لست معجبة بمسرحياتك‪ ،‬قد يكون غيري معجبًا‬
    ‫جرس الباب وفتحها له‪ ،‬رآه بحالة مزرية‪ ،‬ربما‬
‫أمضى وقته قبل أن يفتح له الباب بالنشيج‪ ،‬وبعدما‬            ‫بها‪ ،‬لكن أنا لست مثلهم‪ .‬كان رأيها واض ًحا‪،‬‬
    ‫وقفا أمام بعضهما لم يستطع فيصل أن يبادله‬            ‫فبدا بعدها كما لو أن صراحتها هذه لوت عنقه‪،‬‬
 ‫التحية التي سمعها‪ ،‬بل أخذه إلى حديقة المنزل على‬       ‫هو يعرف أن الوجه الآخر لكلامها هو‪ :‬من الآن‬
  ‫أمل أن يجلسا هناك‪ ،‬ولم يجلسا في حقيقة الأمر‪،‬‬      ‫فصاع ًدا ما عدت أطيق أن يستمر ارتباطنا مع بعض‬
 ‫بل تبادلا الأسى من دون أن يتبين كل منهما كلام‬
    ‫الآخر‪ ،‬والحالة تلك قادت الفتى إلى أن يلعن من‬                                            ‫يا آرثر‪.‬‬
  ‫تسبب فيما آلت اليه الأمور‪ ،‬وعندما سمع فيصل‬            ‫سمع الفتى الخبر عبر الراديو فلم يصدق‪ ،‬كان‬
                                                      ‫بحاجة إلى شخص يك ِّذب ما سمعه‪ ،‬فتعود مياهه‬
                           ‫ذلك لعن حظه العاثر‪.‬‬          ‫إلى مجاريها ودماؤه إلى عروقها‪ ،‬وعلى إثر ذلك‬
    ‫كان هناك الكثير من أشجار الر َّمان تحيط بهما‪،‬‬
  ‫حينها تذكر الفتى بيتًا للشاعرة بنت طريف وهي‬                    ‫خرج من البيت وسار على غير هدى‪.‬‬
                                                        ‫قطع شوارع مدينة «ال ِحلّة» وفيها المدرسة التي‬
                                                    ‫يتابع بها دراسته الثانوية‪ ،‬وعبر شار ًعا بعد شارع‪،‬‬
                                                    ‫والأزقة‪ ،‬زقا ًقا بعد زقاق‪ ،‬والدروب‪ ،‬در ًبا بعد درب‪،‬‬

                                                                 ‫فلم يجد أح ًدا يسأله ليك ِّذب له الخبر‪.‬‬
   81   82   83   84   85   86   87   88   89   90   91