Page 84 - merit 49
P. 84
العـدد 49 82
يناير ٢٠٢3
ابراهيم المطولي
الطيور الخرساء
النسوة اللائي سكبن الماء أمام بيوتهن: ربما تأخرت في تحضير طعامه ،ربما لم يكن
-هي اللي جوزها يسحمها بالليل هتكسرنا يمتلك دخا ًنا ،أو أن جيب الصديري الصغير كان
الصبح؟ فار ًغا من النقود.
يغطي النسوة الضاحكات وجوههن ،ويختبئن ربما رأى امرأة تسكب الماء في طريقه ،ربما
منه وراء الباب حتى يمر .وتذهب هي وراءه كان دخان فتيل اللمبة قد لطخ وجهها فبانت له
بالإفطار مشيًا على الأقدام .وهناك في الحقل قبيحة أكثر مما اعتاد عليه.
يسيران كعودي ذرة ج َّفا وانثنيا من أعلى( .قوم لا أحد يعرف تحدي ًدا ،هو نفسه لا يتذكر ،كان
نام تحت النخلة ..السمس هتكسر عضمك)، قد مضى وقت مثل هذه الأفعال بحكم سنه
يرفع رأسه وينظر ناحيتها بغضب ولا يرد.. وسنها! مرضه وقدرتها هي على تسيير الأمور
ولكنه بعد قليل يقوم ليفعل كما قالت. في البيت والحقل.
في العصر وبعدما تخفف الشمس من قسوتها يضربها؟ منذ زمن طويل لم يفعل ،لذلك كان
قلي ًل يقوم ،يملأ كوب الماء من البكلة الصغيرة باعتقاد الكثيرين الذين سمعوا صراخها أن
ويشرب ،ثم يشبك يده من وراء ظهره ويلف على الرجل قد جن .كيف فعلها؟ وأنت عندما تراهما
حدود الغيط ،ينحني ليلتقط قط ًعا من فخار قديم،
كثير هنا ،لا يعرف من أين أتى ولا كيف .عندما تشعر أنهما خلقا م ًعا منذ عهد بعيد.
يكون في آخر الحد يتلفت حوله ،يتيقن أن لا أحد فالجميع يشعر -كما تشعر أنت -أنهم ولدوا
في الحقول القريبة ..يلقي بجلبابه خلفه ويتبول.
يقوم ويرجع ناحيتها ،تفعل أشياءها المعتادة: فوجدوهما هكذا ..رج ًل وامرأ ًة عجوزين
يتوكآن على بعضهما وهما يسيران في الحياة،
تخلع من الأرض النباتات الغريبة ،تلقي
بالبرسيم إلى الجاموسة ،تمرر يدها في حنو على لا يستعملان اللغة المنطوقة كثي ًرا ولكنهما
يتشاركان الفعل ذاته في كل مرة باتفاق خفي لم
ظهرها ،تضع المزيد من الحطب أسفل الكانون
لصنع الشاي ،يجلس على غبيط حماره بالقرب يعقد أص ًل.
هو حينما يركب حماره في الصباح للذهاب
منها ،تذهب عيناه إلى الإناء وبه الشاي يغلي، للحقل ،هي حينما تحمل سبتها المليء بنتاج
يخرج من جيبه علبة من البلاستيك داخلها علبة الأرض وعشش السطح وتذهب للسوق ،هو
حينما تصيبه الحكمة فيذهب ليشتري فو ًل
سجائره ،يمسك بطرف عود حطب مشتغل للعشاء ،وهي تدفئ الخبز على النار ليرجع قاب ًل
ويشعل سيجارته ،يأخذ نفسه الأول يسعل
للمضغ.
بعمق: في الصباح وهي تمسك برقبة حماره وهو
-مش عارف البول بقى زي الشاي كده ليه؟ يجاهد للركوب ،وعندما يستوي عليه ،تسلمه
حبل الجاموسة ليسير ببطء .أكثر ما يخشاه هو
تمد له يدها بكوب الشاي ولا ترد. السقوط ،لذا كان يسب بكل ما أوتي من ألفاظ
لأن هذا يحدث يوميًّا وبشكل معتاد ،كخروج