Page 93 - merit 49
P. 93
91 إبداع ومبدعون
قصــة
مصحوبة بالنداءات الداعبة والتلويحات ،وتفيض وتسري وسوسة آتية من المقدمة .ويستفسر
السماء بألوا ٍن من الحلوى والفاكهة والبسكويت، المتأخر ممن يتقدمه عن الأمر .فنعرف أن الفحص
ويغرق زين في النعيم ،وتتخطاه النظرات إلى الطبي يتضمن ج َّس الأماكن الحساسة .وتعلو
وجوه الحرس ابتسامات متشفية ،ذات معنى ،الأمر
داخل العشة ،مستقصية ،فتقع على المرأة المحطمة،
بالتأكيد مستحدث ،لم أسمع به قط من أصدقائي
المنطوية بجوار الحائط ،المتشحة بالسواد، الأكبر سنًّا ،الذين أفادوني البارحة استنا ًدا إلى
تجاربهم .ياللخجل ،ما كنت أحسب أن الكشف
والمعصوبة بالسواد ،وقد اقتعدت الأرض ،وألقت سيتطرق إلى المناطق الخبيئة .وتفيد التأويلات
برأسها للوراء ،فتغيض الفرحة من العيون ،ويدب المهموسة أن الهدف هو استقصاء التاريخ الجنسي
للمجندين الجدد! ويتعالى من جهة العيادة زعي ٌق
فيها الأسى ،وتخبو الأهازيج ،ويرين صم ٌت لحظي،
وا أسفاه ،القلب الكسير لم يبرأ بعد ،والجرح لا عال ،واثق ،بالتأكيد ليس لأحد المجندين ،وتتضاحك
المقدمة فجأة ويدب فيها الهرج ،وتشرئب الأعناق
يريد أن يندمل ،فيما زين يتوثب على جان ِب الطريق، من الوراء متطلعة ،مستقصية ،إنه الطبيب الضابط
وقد رفع عقيرته بلهجة آمرة ،مستهزئة ،قائ ًل
مود ًعا آخر العربات المبتعدة ،الماضية إلى حيث لا لأحدهم أن يجيء بأمه لتسلم شهادة التجنيد.
يدري ،ثم ينطلق في جم ِع العطايا الشهية ،المرسلة
من أبيه بحسب ما يخال ،سعي ًدا ،غير عابئ بأي زين
شي ٍء في الحياة ،مترن ًما بما علق في ذهنه من تتردد في الأفق أصداء المحركات القديمة ،البالية،
الأناشيد ،ويأوي إلى أمه ،مثق ًل بالنفحات ،ويفترش يتعالى هديرها المحشرج ،الصاخب ،فيهرع الشبر
الأرض بجانبها ،ملت ًذا بما بين يديه الصغيرتين، ونصف ،ويندفع من باب العشة متضاح ًكا،
متماي ًل على ساقيه الطريتين ،اللتين تحملانه
يتراقص طر ًبا ،داعيًا إياها بين الفينة والفينة إلى بالكاد ،ويتوقف عند شفير الأسفلت اللاهب،
مشاركتهُ ،مدنيًا الطعام ِم ْن ِفيها ،وهي في عال ٍم غير بظ ِّل شجر ٍة تفيء على العشة وما حولها ،مستور
النصف الفوقي فقط ،مت َّرب الخدين ،مؤد ًيا التحية
عالمه ،تحدجه بعينين باهتتين ،وتربت على ظهره العسكرية ،وينبعث من قلب العشة التحذير اليومي
في ر َّق ٍة ،كأنما لتعرب عن امتنانها لحنانه ،وربما المألوف ،ضعي ًفا ،متهد ًجا ،كأنه آ ٍت من قل ٍب مفطور،
وحل ٍق مختنق« :ولد يا زين! لا تقترب كثي ًرا من
لتثنيه عن المحاولة ،ويضج الأفق تارة أخرى برجع الإسفلت» .وتلوح عند نهاية الأفق مقدمة رتل
العربات المحملة بالجنود ،الماضية إلى الجبهة،
المحركات ،آتيًا هذه المرة من تجاه الجبهة ،وينطلق والمصطخبة بالأهازيج الجماعية ،الخشنة ،لكن
الطفل متفتح الأحداق ،مستضح ًكا ،تتلاحق أنفاسه، الشجيَّة ،منها المُعبِّ ُر عن حني ٍن محزون للوطن،
ومنها الغضوب المتفجر بالكراهية لغاصبيه ،ومنها
ويتخذ مكانه المعتاد بحذاء الإسفلت ،ويتطلع المُفص ُح عن شو ٍق للمحبوبة النائية ،وتتجاذب
مستشر ًفا نحو منبعث الصدى ،فما إن يبصر (زين) رغبتان ،رغبة في التقافز رق ًصا ،ورغبة في
الحفاظ على صرام ِة الوقفة العسكرية ،المستوحاة
مقدمة الموكب حتى يعتدل في وقفته ،ويؤدي التحية، من أبيه ،الرفاعي ،الذي ذهب يو ًما مع أولئك
لكن العربات ذات الطلاء الغريب ،المحملة برجا ٍل الذاهبين ولم يعد ،وتتمهل العربات عند مرورها
ذوي سح ِن غريبة ،وملامح لم ير مثلها قبل ،لا بالعشة ،ككل يوم ،وتضج بالضحكات والتحايا،
ُتبطئ ،بل تمضي مندفعة في سرعة هائلة ،موغلة في
الطريق المؤدية إلى قلب البلاد ،بلا أهازيج.
ترقب
الح ُّي يغلي ،وأنا أتتبع ُن ُذر انفجاره الوشيك ،حر ٌب
موضوعها الزعامة بين الأشقياء ،ممدوح ،صاحب
العين الواحدة ،والذي خسر الأخرى بحج ٍر مدبب
رماه ب ِه فتًى موتورِ ،ربعة ،مفتول الزند ،مسد ًل
الستار على مسرحي ٍة طويل ٍة ،فاجعة ،كان ممدو ًحا
بطلها الأوحد .تجري التحضيرات في الخفاء على