Page 96 - merit 49
P. 96

‫العـدد ‪49‬‬                            ‫‪94‬‬

                                                                 ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬

‫أحمد الحاج جاسم العبيدي‬

‫(العراق)‬

‫شواطئ الحلم‪ /‬الدم‬

              ‫يضعها أمامه فضول أ ٍّي من ساكنيه‪.‬‬            ‫كان دائ ًما سار ًحا شارد الذهن تدور في مخيلته حياة‬
   ‫‪ -‬كيف تعمل ثلاثة أشياء مرة واحدة‪ :‬تأكل وتقرأ‬                ‫غامضة يتعمد صيرورتها في كل لحظة تمر به أو‬

                                       ‫وتصغي؟‬               ‫يمر بها‪ ،‬لا أحد يعرف وجهته ولا مصدره أين ومن‬
                ‫‪ -‬بسيطة ج ًّدا! ما العجب في ذلك؟!‬             ‫أين‪ ،‬فالأرض لديه مشاع بكل مساحاتها وغاباتها‬
                                                              ‫وأدغالها وصحرائها‪ ،‬حتى البحار منها‪ .‬على الرغم‬
                              ‫‪ -‬إن عرف السبب‪.‬‬                 ‫من كونه عابثًا في محيطاته الداخلية‪ ،‬إ َّل أنه ملتزم‬
 ‫‪ -‬أقرأ الموضوع بتركيز مع ترك الطعام يأخذ طري ًقا‬              ‫بحسن هندامه وقيافته الملكية ونوع ما لتوقيتاته‬

  ‫في فمي‪ ،‬فيما أعير جز ًءا من تفكيري لصوت المذيع‬            ‫وعلاقاته المحدودة‪ .‬وما إن يسأله سائل عن موطنه‪،‬‬
  ‫أو عناوين الجريدة‪ ،‬فإن تناول موضو ًعا أو وجدت‬                   ‫يجيبه بأنه ليس لديه مسكن يأويه‪ ،‬ولا مدينة‬
 ‫خب ًرا يفيدني ح َّولت المتبقي تجاهه وتركت الآخرين‪.‬‬
                                                              ‫تحتويه‪ ،‬ولا حتى غصن شجرة يعلق عليه أحلامه‬
                      ‫‪ -‬هل هذه معادلة هرطقية؟!‬              ‫وآماله ومآلاته‪ ،‬وعندما يل ُّح عليه أحد الجالسين عن‬
                               ‫‪ -‬بل حكمة بليغة‪.‬‬            ‫منشأه ومكان ترعرعه‪ ،‬ي َّدعي بأنه من جزيرة منسية‬
                                                             ‫غرقت في إحدى موجات ثوران البحر بفعل جريمة‬
   ‫كان يفضل الاستماع إلى أخبار العالم البعيد ويقرأ‬
   ‫كثي ًرا عن عاداتهم وتقاليدهم في الجرائد والمجلات‬                              ‫شنعاء ارتكبها أحد السحرة‪.‬‬
‫التي تطالها ي ُد ُه‪ .‬دائ ًما ما يسو ُء ُه تلصص جيرانه على‬            ‫‪ -‬إنه يجهد نفسه بأشياء لا حاجة له بها‪.‬‬
  ‫غدواته وروحاته‪ ،‬وما يقلقه أكثر تفحص محتويات‬
‫حقيبته التي لا تفارق يده اليسرى بنظراتهم الليزرية‪،‬‬                                 ‫‪ -‬نعم فهو يتغذى روحيًّا‪.‬‬
   ‫موردينها تحت بند مودته والاطمئنان على صحته‬               ‫‪ -‬وسيسقط في متاهات الفكر ككل المتحذلقين كذلك‪.‬‬

               ‫وتفقد منجزاته والسؤال عن أخباره‪.‬‬                              ‫‪ -‬أو ربما يتفوق علينا بجوهره‪.‬‬
   ‫‪ -‬إنه دائم الخلوات‪ ،‬ربما يعاني من عقد جسيمة‪.‬‬                                   ‫‪ -‬بجوهره! ما هو جوهره؟‬

                             ‫‪ -‬من قال إنه مبتلى؟‬                              ‫‪ -‬إنه على ما يبدو كفاءة نادرة‪.‬‬
                              ‫‪ -‬يهيم على وجهه‪.‬‬                                               ‫‪ -‬من قال هذا؟‬
                                 ‫‪ -‬يتقمص ذلك‪.‬‬
                                      ‫‪ -‬متلب ًسا!‬          ‫يحاول قدر الإمكان تجنب الوجبات التقليدية الدسمة‬
                                                               ‫ويتذمر من خلطات الفلافل والبهارات‪ ،‬فهي تثير‬
             ‫‪ -‬أرهقتم الموضوع أكثر مما يستحق‪.‬‬
     ‫كانت أصوات الباعة المتجولين وصراخ الأطفال‬               ‫أعصابه مثلما تثير أمعائة‪ ،‬ولكنه يحب سمك التونة‬
   ‫ومنبهات السيارات تزعجه أيما إزعاج‪ ،‬بينما دوي‬               ‫وفي أحيان كثيرة يتناول منها ما يسد رمقه‪ .‬لديه‬
‫طلقات الرصاص ومشاهد القتل اليومي باسم الحرية‬
  ‫والديمقراطية تدمي فؤاده كما تدمي سريرته‪ .‬أخذ‬             ‫طقوس خاصة في تناول وجبته‪ ،‬فما إن يعدها بنفسه‪،‬‬
  ‫يشعر أنها باتت تسرق منه أحلامه وتقوض أركان‬                   ‫أو بمساعدة أحد شركائه إن وجد‪ ،‬حتى يعمد إلى‬
  ‫عزلته التي يفرضها على نفسه منذ أن انبلج الضوء‬               ‫تناولها مفتر ًشا إحدى الجرائد التي تطالها يده في‬
                                                               ‫أثناء إنصاته للراديو مستمت ًعا بأحد البرامج التي‬

                                                           ‫تعترض سمعه‪ ،‬وهذا ما يثير علامات استفهام كثيرة‬
   91   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101