Page 100 - merit 49
P. 100
العـدد 49 98
يناير ٢٠٢3
حنين خالد
(الأردن)
فزاعة الذاكرة
يسأله صاحب المحل مماز ًحا بلطف: يميل قرص الشمس المطفأ ناحية الغيوم الداكنة،
أهي مناسبة كبيرة؟! رذاذ ،وحفيف لأشجار الكينا واللزاب الممتدة حول
لا يجيبه ،ويغادر.
المقبرة.
في المنزل يستأذن معارفه بالبقاء لوحده ،فيغادر الجميع.
يخلع حذاءه ،يحضر من الخزانة كأ ًسا صغيرة، بمعطفه الشتائي ووجهه النحيل المتغضن يقف أمام
يجلس على الأريكة العريضة ويصب لنفسه قد ًحا، القبر ،وكلما اشتد الهواء ارتمت خصلات من شعره
على وجهه ،عيناه تلمعان ،لا يتحرك ،صامت ،لا
يشعل لفافة تبغ.
البيت مطفأ بالكامل ،فقط الكوريدور يعطي إضاءة يتكلم.
خافتة ،لكنها تسمح بالرؤية ،البيت هادئ والصمت يجثو على ركبتيه.
نحن لوحدنا ،وها هو النهار ينقضي ،ألا ترين؟!
يلف كل شيء .فقط أنفاسه. يخرج محب ًسا من جيب معطفه ويستل محبسه من
يحتسي من قدحه ويرتد للخلف ،يغمض عينيه يده ،يضمهما م ًعا ،يش ُّد عليهما بقبضته ،ويغرسهما
طوي ًل ،يفتحهما فجأة ،ينظر للطاولة الخشبية في تراب القبر المبتل.
وللوحات المعلقة والمتناثرة لعلب الألوان وشرائط
الورق المتدلية ،يمسح المكان بناظريه حتى آخر يقف،
يتلاشى الضوء ،وتغشى العتمة.
زاوية ،لترتمي نظراته على (حذائها الخاص)
فتنحدر من عينيه دمعات. داخل السيارة وأثناء عودته للمنزل ،يتصل ورد
بشقيقه:
ولأيام ،لا يستقبل أح ًدا ،لحيته تطول ،ولا يستبدل
ملابسه ولا يخلع المعطف ،يجلس بصمت أغلب -سأغلق هاتفي ،لا تقلق ،أحتاج للعزلة.
-أنت بخير؟!
الوقت ويغفو على ذات الأريكة ،كوابيس نومه تزداد -أجل.
ويقظته (ترعبه) ،وإن شعر بالجوع يقضم من ويغلق الهاتف.
الخبز ويشرب.
ذات ليلة يصحو على صوت مجهول ،يلتفت ،فلا وفي محل للمشروبات الكحولية يطلب زجاجة كبيرة
يجد أح ًدا. من الفودكا.
يعود الصوت بنبرة أشد قوة: