Page 105 - merit 49
P. 105

‫‪103‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫قصــة‬

 ‫أستخدم مظهري النسائي لأدخل أماكن لا يدخلها‬               ‫يديها إلى السماء‪ ،‬سمعها تقول‪« :‬يا رب‪ ،‬يا رب‬
  ‫الرجال؟»‪ .‬كانت أول فكرة أن يتجه إلى الحمامات‬             ‫اللهم اجعله يفهم‪ ،‬ولو يو ًما واح ًدا»‪ .‬نظر إليها‬
                                                       ‫جبران ساخ ًرا ومضى إلى الغرفة‪ ،‬أغلق الباب وغط‬
     ‫التي تغتسل فيها النساء‪« .‬هذا هو المكان الذي‬
  ‫سأتمكن فيه من رؤية النساء من كل الأعمار كما‬                                            ‫في نوم عميق‪.‬‬
 ‫خلقهن ربنا‪ ،‬وهذا بثمن قليل ودون أن يمنعني أو‬                 ‫في اليوم التالي استيقظ من النوم وقد انتابه‬
                                                          ‫إحساس غريب‪ .‬كأن شيئًا ما قد تغير‪ ،‬أدرك انه‬
                                  ‫يوبخني أحد»‪.‬‬            ‫يلبس ثياب نوم زوجته‪ ،‬أيقظ زوجته من النوم‪،‬‬
     ‫نشرت هذه الفكرة الجهنمية روح المغامرة في‬          ‫عندما أزاحت اللحاف واستدارت إليه صرخ الاثنان‬
  ‫جبران‪ ،‬قام من السرير وتوجه إلى خزانة زوجته‬                 ‫من الفزع‪ ،‬كان قد تحول هو إلى امرأة‪ ،‬بينما‬
‫ليختار الملابس‪ ،‬مشى في الشارع بضعة أمتار‪ ،‬وإذا‬         ‫تحولت زوجته إلى رجل‪ .‬نظر الاثنان الى جسميهما‬
 ‫هو يسمع رج ًل يصفر وراءه ويقول‪« :‬هز يا وز»‪.‬‬            ‫بذهول‪ ،‬قال جبران لزوجته‪« :‬يا للمصيبة السوداء‬
   ‫التفت إليه جبران وأدرك أن الرجل المعاكس من‬          ‫هذه»‪ .‬استوعب في تلك اللحظة أن صوته قد تحول‬
  ‫جيران الحارة‪« ،‬كيف يسمح لنفسه هذا الكلب أن‬            ‫أي ًضا وصار بالضبط مثل صوت زوجته‪ .‬وعندما‬
 ‫يعاكس زوجتي؟»‪ ،‬فكر جبران في نفسه‪ .‬ذهب إليه‬             ‫شرعت هي بالكلام‪ ،‬سمعت صوت زوجها يخرج‬
  ‫ولعنه‏بأسوأ اللعنات وهدده بالضرب‪،‬‏لكن جاره‬                 ‫من حنجرتها‪« .‬هل بدل الله أرواحنا؟» قالت‪.‬‬
‫أجابه‪« :‬ماذا يا أم عادل؟ ماذا ستفعلين؟ أن ِت امرأة‬        ‫‏«ما العمل؟ ماذا سنفعل؟» قال جبران‪ .‬ابتسمت‬
   ‫ضعيفة‪ ،‬لن تقدري على ضربي‪ ،‬الرجال قوامون‬                  ‫زوجته وقالت له‪« :‬ماذا سنفعل؟ لماذا تسألني‬
 ‫على النساء‪ ،‬هل ستشكين إلى زوجك؟ سأقول إن ِك‬              ‫ماذا سنفعل؟ أنت ماذا ستفعل؟ اليوم سبت‪ ،‬أنا‬
    ‫أن ِت من بدأت محاولة معاكستي وغضب ِت لأني‬           ‫‏سأرتدي أجمل بدلاتك وسأتنزه قلي ًل‪ .‬ربما أذهب‬
      ‫لم أستجب‪ .‬لن يفعل زوجك أي شيء بي‪ ،‬بل‬                ‫إلى المقاهي كما تفعل أنت يوميًّا‪ ،‬وأنت حاول أن‬
‫سيشكرني على أني ساعدته على أن يصون شرفه‪،‬‬                 ‫تدبر لك ما تفعل‪ ،‬البيت متسخ والأكل يحتاج إلى‬
    ‫ستشكرين ربك إن لم يذبحك»‪ .‬بصق بعد ذلك‬                  ‫طبخ والأطفال لن يعودوا قبل المساء من بيوت‬
 ‫على الأرض ودندن أغنية وقحة ماضيًا في طريقه‪.‬‬                ‫أصدقائهم‪ .‬هيا إلى العمل!»‪.‬‏فتح جبران عينيه‬
‫وقف إثر ذلك جبران متسم ًرا لوهلة على الرصيف‪،‬‬             ‫على وسعهما وقال‪« :‬هل جننت يا زوجتي؟ كيف‬
   ‫لا يدري ماذا يقول بعد كل هذه الوقاحة التي لم‬           ‫تخرجين إلى المقهى؟ أن ِت امرأة!»‪ .‬أجابته‪« :‬لا يا‬
  ‫يتوقعها من جاره‪ ،‬وبعد أن بلع ريقه تذكر خطته‬               ‫حبيبي‪ ،‬أنت المرأة‪ .‬أنا رجل‪ .‬انظر إلى المرآة!»‪،‬‬
   ‫الجهنمية وسرعان ما تحسن مزاجه‪ ،‬وبعد فترة‬            ‫قالتها وأخرجت أجمل بدلة وربطة عنق لجبران من‬
    ‫من المشي في الحي وقف أمام باب الحمام وقرأ‬          ‫الخزانة‪ ،‬اتجهت إلى الحمام‪ ،‬وخرجت منه بعد وهلة‬
 ‫اللافتة‪ :‬يوم السبت‪ -‬رجال‪« .‬تبًّا‪ ،‬لا ح َّظ لي اليوم‪،‬‬    ‫حليقة الذقن‪ ،‬معطرة‪ ،‬لابسة البدلة وربطة العنق‪.‬‬
   ‫سأضطر للذهاب إلى حمام آخر مفتوح للنساء»‪.‬‬            ‫وقف جبران مذهو ًل أمام زوجته ولم ينبس بكلمة‪،‬‬
   ‫وكي لا يضيع الوقت‪ ،‬أوقف تاكسيًّا ليوصله إلى‬              ‫كانت علامات الارتباك واضحة عليه‪ .‬خرجت‬
 ‫حمام آخر قريب من الحي‪ .‬ركب جبران التاكسي‬                ‫زوجته من البيت تاركة إياه محتا ًرا لا يدري ماذا‬
  ‫وخيل له أن السائق يضبط المرآة خصي ًصا‪ ،‬ليس‬              ‫يفعل‪« .‬هل ستذهب زوجتي فع ًل إلى مقهى أبي‬
    ‫ليرى السيارات أفضل‪ ،‬بل ليرى نهدي جبران‪.‬‬               ‫عزة؟ سيعرف أصدقائي من طريقة كلامها أنها‬
  ‫سأل جبران السائق بنبرة غاضبة‪« :‬لماذا ضبطت‬              ‫ليست أنا‪ .‬ستفضحني حت ًما أمامهم‪ ،‬لا يمكن أن‬
     ‫المرآة الآن وأنت تقود السيارة منذ الصباح؟»‪،‬‬        ‫ألحق بها‪ ،‬ماذا سأقول لهم؟ أنا هي وهي أنا؟! لن‬
   ‫أجابه السائق‪« :‬كي لا يفوتني شيء من الجمال‬
   ‫يا حبوبة»‪ .‬بدأ قلب جبران يدق والدم يتدفق في‬                                          ‫يصدقني أحد»‪.‬‬
   ‫عروقه من الغضب‪ ،‬بدأ يلعن السائق ويأمره أن‬           ‫فكر جبران لوهلة‪ ،‬ولكنه لم يصل إلى حل كي يعيد‬
  ‫ينزله وإلا سينهال عليه ضر ًبا‪ ،‬أجابه السائق أنه‬
                                                          ‫الأمور إلى نصابها‪ .‬فجأة جاءته فكرة‪« :‬ماذا لو‬
   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110