Page 103 - merit 49
P. 103

‫‪101‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫قصــة‬

‫وبصوت متقطع قالت‪« :‬لا تتركيني»‪ .‬ر َّب ُّت على يدها‬   ‫كانت ترتديها قبل تجهيزها كي لا تضيع‪ ،‬أصابني‬
    ‫لكنها لم تدعني أفلتها حتي عندما انتقلنا لغرفة‬         ‫الفزع‪ ،‬وتركت المشهد بكامل قبحه وتوجهت‬
    ‫الرعاية‪ ،‬ظلت ممسكة بيدي والخوف يسيل من‬
                                                    ‫للطبيب الآخر لإبلاغه عن حالة الحاجة نادية وكيف‬
‫عينيها‪ ،‬وجسدها الضعيف يرتجف كطفل ابتل تحت‬                                       ‫تدهورت منذ الأمس‪.‬‬
  ‫المطر‪ ،‬غابت عن العالم بعد سريان المخدر في دمها‬
   ‫وتم وضعها على جهاز التنفس الصناعي‪ ،‬مكث ُت‬           ‫كنت جوارها عندما أمر الطبيب بسرعة نقلها إلى‬
    ‫جوارها للحظات وهمست في أذنها «لن أتركك»‪.‬‬             ‫الرعاية المركزة‪ ،‬نظرت نحوي وأمسكت بيدي‪،‬‬
       ‫عدت لغرف المرضي أكمل عملي وكل ساعة‬
    ‫أذهب للحاجة نادية أطمئن على نبضات‬
 ‫قلبها ورئتيها المستسلمتان لقبضة جهاز‬
  ‫صناعي‪ ،‬كيف كانت حياتك يا حاجة‬
 ‫نادية؟ أكن ِت شقية أم كانت المسرات‬
‫منثورة في طريقك‪،‬؟ هل كن ِت يو ًما‬
  ‫تتخيلين أنك ستصبحين أسيرة‬
   ‫سرير معدني وجهاز معدني‪،‬‬
     ‫لا تقدرين على جلب كوب‬
   ‫ماء مث ًل وتناوله‪ ،‬أو قول‬
    ‫«لا» لا أريد تلك الأنبوبة‬
 ‫البلاستيكية أن تقتحم فمي‬
     ‫وقصبتي الهوائية وتبث‬
‫الرعب لا الهواء إلى داخلي؟ لو‬
  ‫أن عقلك يعي ال ٓان لقال حت ًما‬
 ‫«لا تساوي جناح بعوضة»‪ ،‬ولا‬
   ‫أقل يا حاجة نادية‪ ،‬هل سيبكي‬
     ‫أولادك وزوجك عند سماع خبر‬
   ‫تدهور حالتك؟ أم سيسرع زوجك‬
    ‫لقنص أغراضك؟ هل سيبكي أيامك‬

‫ويترحم على العشرة أم سيتناسى أمرك‪.‬‬
   ‫حان وقت الراحة‪ ،‬فالفجر اقترب‪ ،‬لكن‬

 ‫لم يكن لد َّي الرغبة في الطعام‪ ،‬تمنيت فقط‬
  ‫أن ينتهي الدوام وأرى السماء ثانية حتى‬
  ‫ولو كانت ملبدة بالغيوم‪ ،‬تفحصت هاتفي‪،‬‬

‫كانت رسالة زميلتي القديمة معلقة بين اليأس‬
     ‫والرجاء‪ ،‬فتحتها وترددت لثوا ٍن وأنا أرى‬

 ‫اعتذاراتها وسيل الذكريات المنساب‬
    ‫على شاشة الهاتف‪ ،‬لم أجد‬
  ‫ر ًّدا مناسبًا فبادلتها التحية‪،‬‬

 ‫وقلت في نفسي «أقل من جناح‬
                              ‫بعوضة»‪.‬‬
   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108