Page 209 - merit 38 feb 2022
P. 209

‫‪207‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

       ‫للقارئ لكي لا يتيح‬     ‫هذا الأمر وبطرق مختلفة‪،‬‬         ‫كانوا يجمعون بين كونهم‬
    ‫له إعادة تشكيل العمل‬         ‫ولكن الفلسفة في نهاية‬     ‫مفكرين وكونهم كتَّا ًبا عظا ًما‬
     ‫الفلسفي كيفما تقوده‬                                   ‫ينتهجون أسلو ًبا أكثر توظي ًفا‬
                             ‫الأمر تمتاز بصوتها الصلب‬
        ‫رغباته» (ص‪.)٢٣‬‬          ‫الواضح غير المشخصن‬                     ‫للدلالات الأدبية‪.‬‬
      ‫وفي سياق محاولات‬                                         ‫وفيما يبدو فإن ممارسة‬
    ‫مردوخ المتكررة لفصل‬       ‫ولا يمكن أن نتوقع انقلاب‬
      ‫الفلسفي عن الأدبي‪،‬‬       ‫الحال لما هو معاكس لهذه‬            ‫مردوخ للفلسفة بنحو‬
   ‫وتحقيق استقلالية تامة‬                                     ‫أكاديمي هو ما جعلها أميل‬
    ‫للفلسفة‪ ،‬تعبر فوق كل‬         ‫الخصائص الراسخة في‬
 ‫الفرص التي من الممكن أن‬     ‫الكتابة الفلسفية» (ص‪.)٢٣‬‬            ‫للطرح الموضوعي حين‬
 ‫تحقق مز ًجا بين المجالين‪،‬‬                                     ‫معالجتها لعلاقة الفلسفة‬
  ‫خاصة إذا كان هذا المزج‬           ‫وبالرغم من اعترافها‬     ‫بالأدب‪ ،‬فهي تقترب بالفلسفة‬
  ‫سيفقد الفلسفة شيئًا من‬           ‫بوجود فلاسفة كبار‪،‬‬           ‫من جانب العلم أكثر من‬
    ‫خصوصيتها ويكسبها‬           ‫مثل هيوم وفيتجنشتاين‪،‬‬        ‫جانب الأدب‪ ،‬وإن كانت تظل‬
   ‫شيئًا من الأدب‪ ،‬فتقول‪:‬‬         ‫قاموا بدمج ذواتهم في‬      ‫حريصة على تحقيق نوع من‬
    ‫«قد يحصل في أحايين‬        ‫كتاباتهم الفلسفية‪ ،‬إلا أنها‬     ‫الاستقلالية لها‪ ،‬ما جعلها‬
 ‫قليلة للغاية أن يكون عمل‬      ‫تصر على تجريد الفلسفة‬         ‫تبتعد عن كل ما هو عاطفي‬
   ‫فلسفي ما عم ًل فنيًّا في‬     ‫من الذاتية حتي لا تترك‬       ‫وذاتي في الكتابة الفلسفية‪،‬‬
‫الوقت ذاته مثلما هو الحال‬       ‫للقارئ الفرصة لإسقاط‬       ‫يؤكد ذلك عباراتها الصريحة‬
     ‫في الندوة الأفلاطونية‬     ‫ذاته وإعادة تشكيل النص‬           ‫الآتية‪« :‬الكتابة الفلسفية‬
‫‪ ,Symposium‬غير أن مثل‬              ‫حسبما يريد‪ ،‬فتقول‪:‬‬           ‫ليست شك ًل من أشكال‬
  ‫هذه الأعمال تبقي حالات‬     ‫«الكاتب الأدبي يترك قاص ًدا‬   ‫التعبير الذاتي‪ ،‬بل هي تنطوي‬
    ‫استثنائية غير قياسية‪،‬‬     ‫مساحة من الحرية للقارئ‬          ‫على كبح منضبط للصوت‬
    ‫والحق أننا لا يمكن أن‬     ‫لكي تكون ملعبًا خا ًّصا له‬         ‫الذاتي‪ ،‬بعض الفلاسفة‬
   ‫نقرأ الندوة الأفلاطونية‬    ‫يستطيع فيها إعادة تشكيل‬        ‫يطيب لهم الحفاظ على نوع‬
  ‫ونفهم متبنياتها الفلسفية‬      ‫رؤيته الشخصية بشأن‬           ‫من الحضور الشخصي في‬
  ‫إلا بمعونة الإرشاد الذي‬     ‫ما يقرأ‪ ،‬أما الفيلسوف فلا‬         ‫أعمالهم‪ ،‬فمث ًل يفعل كل‬
 ‫تجود به الأعمال الفلسفية‬     ‫يمكن (والأصح أن أقول لا‬           ‫من هيوم وفيتجنشتاين‬
       ‫الأخرى لأفلاطون»‬      ‫ينبغي) أن يترك أية مساحة‬

               ‫(ص‪.)٢٤‬‬
  ‫ولا يعني موقف مردوخ‬

      ‫الصلب‪ ،‬والذي يبدو‬
 ‫وكأنه محاولة دفاعية عن‬
  ‫الفلسفة ضد الأدب‪ ،‬أنها‬
‫منحازة للأولى على حساب‬

      ‫الأخير‪ .‬فقد مارست‬
   ‫كلا النوعين من الكتابة‪،‬‬
‫الفلسفية والأدبية‪ ،‬وحققت‬
   ‫نجاحات ذات اعتبار في‬
   204   205   206   207   208   209   210   211   212   213   214