Page 211 - merit 38 feb 2022
P. 211

‫‪209‬‬              ‫الملف الثقـافي‬

‫ليوناردو دافنشي‬  ‫لودفيج فيتجنشتاين‬  ‫إحسان عبد القدوس‬      ‫إلا أن الكتابات الفلسفية حول‬
                                                             ‫الفن لم تتوقف سواء قبل‬
 ‫الحقيقي‪ ،‬كما تقترح هذه‬        ‫باعتبارها مفاهيم عقلانية‬     ‫هذا التاريخ أو بعده‪ ،‬ولعل‬
 ‫الرؤية مقاربة يكون الفن‬       ‫كونية أو مصادر للتنوير‪.‬‬
 ‫الجيد أم ًرا بالغ العمومية‬                               ‫أبرز النظريات الفلسفية التي‬
‫وبالغ الخصوصية في الآن‬          ‫غير أن شوبنهاور نجح‬       ‫قيلت في الفن قبل بومجارتن‪،‬‬
 ‫نفسه‪ .‬وتعبِّر مردوخ عن‬        ‫في قلب المسألة رأ ًسا على‬
‫المكانة المتميزة لشوبنهاور‬                                    ‫كانت ما قدمه أرسطو في‬
‫بين الفلاسفة التي تناولوا‬        ‫عقب بأن أعاد الارتباط‬      ‫«فن الشعر» وكانط في «نقد‬
‫موضوع الفن قائلة‪« :‬يبدو‬      ‫بين الفكر والفن‪ ،‬ومنح هذا‬
‫شوبنهاور حالة استثنائية‬                                        ‫ملكة الحكم» وهيجل في‬
  ‫مميزة بين الفلاسفة من‬          ‫الأخير القدرة على حمل‬     ‫«علم الجمال وفلسفة الفن»‪.‬‬
                             ‫الأفكار ونقلها إلى الآخرين‪،‬‬
     ‫حيث عشقه وتقديره‬                                         ‫والملاحظ أن نظرة هؤلاء‪،‬‬
   ‫الواضحين للفن‪ ،‬وأري‬          ‫فالأفكار عند شوبنهاور‬       ‫الفلسفية‪ ،‬وأمثالهم لم تأت‬
                                   ‫أشكال إدراكية يمكن‬     ‫ممجدة للفن‪ ،‬لأنها لم تأت في‬
     ‫أن الكثير من التنظير‬                                  ‫سياق احتفائهم بالفن في حد‬
 ‫الفلسفي بشأن موضوعة‬         ‫تحسسها جزئيًّا في الطبيعة‪،‬‬    ‫ذاته وإنما بوصفه جز ًءا من‬
                                ‫وأن خيال الفنان يسعي‬       ‫فلسفاتهم العامة في الأخلاق‬
     ‫الرؤية الفلسفية للفن‬                 ‫للكشف عنها‪.‬‬     ‫والميتافيزيقا‪ .‬وفي هذا السياق‬
  ‫هي مجادلات مفتقرة إلى‬              ‫تثمن مردوخ رؤية‬       ‫تؤكد مردوخ على هذا المعني‬
‫الخيال وتقتصر على وضع‬
   ‫رؤية محدودة لأحدهما‬        ‫شوبنهاور باعتبارها رؤية‬           ‫قائلة‪« :‬إن الفلاسفة في‬
  ‫في مقابل رؤية محدودة‬        ‫جذابة وسامية المقام تجاه‬        ‫مجملهم لم يكتبوا الكثير‬
  ‫للآخر‪ ،‬وغالبًا ما يكتنف‬                                   ‫من الكتابات الرفيعة بشأن‬
                                  ‫الفن لأنها تصور الفن‬        ‫إطراء الفن بعامة‪ ،‬وربما‬
   ‫تلك المجالات تساؤلات‬            ‫بهيئة مسعى أخلاقي‬      ‫يعود السبب في أحد جزئياته‬
                             ‫وذهني رفيع شبيه بالمسعى‬        ‫لكونهم اعتبروا الفن مسألة‬
                              ‫الفلسفي من حيث محاولة‬       ‫ثانوية فرعية صغيرة يتوجب‬
                                 ‫كشف النقاب عن العالم‬        ‫عليهم تطبيقها داخل إطار‬
                                                          ‫نظريتهم العامة في الميتافيزيقا‬

                                                                ‫أو الأخلاق» (ص‪.)٤٢‬‬
                                                           ‫وتستثني مردوخ شوبنهاور‬

                                                              ‫من هؤلاء الفلاسفة‪ ،‬لأنه‬
                                                               ‫قدم رؤية مختلفة ترفع‬
                                                             ‫من شأن الفن‪ ،‬ومضي في‬
                                                               ‫رؤيته في اتجاه معاكس‬
                                                              ‫لرؤية أفلاطون‪ .‬فقد كان‬
                                                               ‫أفلاطون يميز بين الفن‬
                                                             ‫باعتباره وسيلة لمنح المتعة‬
                                                          ‫الذهنية الجزء الذاتي الأحمق‬
                                                            ‫من الروح الإنسانية‪ ،‬وبين‬
                                                               ‫الأفكار التي تتعامل مع‬
                                                           ‫الجزء الأكثر نب ًل من الروح‬
   206   207   208   209   210   211   212   213   214   215   216