Page 212 - merit 38 feb 2022
P. 212

‫قدر الارتقاء الفلسفي الذي‬       ‫لا يعني موقف مردوخ الصلب‪ ،‬والذي‬
 ‫قد يظفرون بتحقيقه ‪-‬هذا‬               ‫يبدو وكأنه محاولة دفاعية عن‬
                                      ‫الفلسفة ضد الأدب‪ ،‬أنها منحازة‬
   ‫لو ظفروا ح ًّقا‪ -‬غالبًا ما‬
    ‫يكون ضئي ًل متصاغ ًرا‬      ‫للأولى على حساب الأخير‪ .‬فقد مارست‬
     ‫بالمقارنة مع الفلاسفة‬        ‫كلا النوعين من الكتابة‪ ،‬الفلسفية‬
    ‫المتمرسين» (ص‪.)٥٠‬‬
     ‫وتص ِّرح مردوخ دون‬         ‫والأدبية‪ ،‬وحققت نجاحات ذات اعتبار‬
     ‫مواربة بعدم ترحيبها‬            ‫في الحقلين‪ ،‬ولكنها‪ ،‬كما ألمحنا‬
 ‫بأي دور يمكن أن ُينسب‬
‫للفلسفة في الأعمال الأدبية‪،‬‬     ‫من قبل‪ ،‬ترصد العلاقة بنحو عقلاني‬
    ‫وبهذا المعني ترفض ما‬       ‫موضوعي‪ ،‬ومن المنطلق نفسه تنتصر‬

     ‫ُيشاع بين الناس من‬                             ‫للأدب على الفلسفة‬
  ‫وجود فلسفة لتولستوى‬
   ‫أو برنارد شو‪ ،‬فكلاهما‬          ‫هذا النوع من ال ُكتَّاب أنه‬   ‫سقيمة لا تنتهي من قبيل‪ :‬هل‬
 ‫كاتب عظيم‪ ،‬لكن بغير أن‬            ‫مارس الكتابة الفلسفية‬        ‫الفن من أجل الفن أم من أجل‬
                                  ‫أكاديميًّا ومارس الكتابة‬
    ‫ُتنسب لأعمالهما أفكار‬       ‫الأدبية الإبداعية في الوقت‬              ‫المجتمع؟» (ص‪.)٤٤‬‬
   ‫فلسفية عظيمة‪ .‬وتصل‬            ‫ذاته‪ .‬والحقيقة أن مردوخ‬
                                  ‫لا تعترف بأهمية وجود‬           ‫‪ -2‬الفلسفة في الأدب‬
     ‫مردوخ في صراحتها‬           ‫الأفكار الفلسفية في الأدب‪،‬‬
    ‫وصدق قولها أن تنفي‬             ‫وتنكر على الأديب مهما‬               ‫كما للأدب حضور في‬
    ‫عن أعمالها الأدبية هذا‬                                      ‫الفلسفة فإن للفلسفة حضور‬
 ‫الدور الفلسفي بالرغم من‬             ‫كانت براعته وقدرته‬
  ‫المشروعية التي تستمدها‬          ‫الأدبية أن يحاول تقديم‬              ‫في الأدب‪ ،‬والمسألة هنا‬
    ‫من خبرتها الأكاديمية‪،‬‬        ‫رؤية فلسفية متكاملة من‬              ‫تختلف من جهة الكاتب‪،‬‬
 ‫فتقول‪« :‬الحق أنني أشعر‬           ‫خلال عمله الروائي‪ ،‬لأن‬            ‫فحلول الأدب في الفلسفة‬
  ‫برعب قاتل يتملكني متى‬           ‫ذلك سيضر بالأدب ولن‬             ‫يجيء بواسطة الفيلسوف‪،‬‬
  ‫ما فكرت بإقحام الأفكار‬        ‫يضيف كثي ًرا إلى الفلسفة‪،‬‬           ‫وحلول الفلسفة في الأدب‬
  ‫الفلسفية في رواياتي‪ .‬قد‬       ‫فمازالت مردوخ تميز بين‬              ‫يجيء عن طريق الأديب‪،‬‬
   ‫يحصل أحيا ًنا أن أشير‬       ‫الكتابة الفلسفية الاحترافية‬            ‫ولعل الحالة النموذجية‬
 ‫محض إشارة فحسب إلى‬              ‫وبين الأدب ذي المضمون‬               ‫في هذا السياق هي التي‬
 ‫الفلسفة في بعض مواضع‬                                              ‫تحققت في بعض الفلاسفة‬
  ‫رواياتي بسبب المصادفة‬                 ‫الفلسفي‪ ،‬فتقول‪:‬‬               ‫الوجوديين مثل سارتر‬
   ‫التي جعلتني على شيء‬              ‫«من المؤكد أن يتفاعل‬           ‫وسيمون دي بوفوار‪ ،‬كما‬
   ‫من دراية بالموضوعات‬         ‫ال ُكتَّاب مع الآراء السائدة في‬   ‫يمكن أن نجدها عند البعض‬
  ‫الفلسفية التي تتناغم مع‬       ‫عصورهم‪ ،‬وقد يبلغ الأمر‬               ‫من الفلاسفة الأدباء من‬
    ‫سياق تلك المواضع في‬            ‫مبلغ رغبتهم في إحداث‬          ‫غير الوجوديين مثل آيريس‬
    ‫رواياتي‪ ،‬والأمر سيان‬         ‫انعطافات فلسفية مؤثرة‪،‬‬          ‫مردوخ نفسها‪ .‬وتأتي أهمية‬
   ‫لو كنت أعرف شيئًا عن‬
    ‫السفن الشراعية مث ًل»‬

               ‫(ص‪.)٥٢‬‬
   207   208   209   210   211   212   213   214   215   216   217