Page 215 - merit 38 feb 2022
P. 215

‫‪213‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

 ‫المادية‪ .‬والآخر‪ ،‬هو الإدراك‬  ‫يهدف إليه ( ُهسرل) من هذه‬       ‫المعرفة الحقيقة للعالم من‬
  ‫الحدسي الماهوي‪ :‬ويتمثل‬       ‫الفلسفة هو “صياغة صور‬           ‫خلال تحليلنا للذات التي‬
 ‫في أفعال الوعي‪ ،‬وقصدياته‬                                       ‫ترى الأشياء‪ ،‬وليس من‬
 ‫المتوالية ليست منفصلة عن‬       ‫الظواهر من خلال إضفاء‬         ‫خلال تحليلنا للأشياء كما‬
 ‫الوعي فهي نسيجه‪ ،‬وبذلك‬            ‫المعاني والدلالات وهى‬        ‫هى خارج الذات‪ ،‬أي أن‬
‫يولد الوعي الماهوي‪ ،‬وتكون‬                                   ‫الإنسان عند تحليله لظاهرة‬
 ‫الظاهرة (الموضوع أ ًّيا كان‬    ‫مراتب الالتقاء بين الوعي‬   ‫ما يجب أن يركز على الظاهرة‬
                              ‫والأشياء الكائنة خارجه”(‪.)4‬‬    ‫بما أنها بنية دالة تعلقت فى‬
    ‫مثل الحجر) قد صارت‬                                        ‫شعوره‪ ،‬وهذه الدلالة هى‬
    ‫ظاهرية (الحجر يصبح‬          ‫نستنتج من ذلك أن الوعي‬         ‫المعنى أو المعرفة الحقيقة‬
  ‫حجر ًّيا) أي تجلبه بعد أن‬   ‫له دور مهم فى تحديد معنى‬         ‫لها‪ .‬وهذه المعرفة نشأت‬
    ‫خلعت الذات عليه المعنى‬     ‫الظاهرة ويساعد فى فهمها‪،‬‬     ‫من خلال العلاقة الشعورية‬
  ‫بعد رحلة طويلة من أفعال‬                                  ‫الخالصة بين الذات والظاهرة‬
 ‫القصد والحدوس ولم يقف‬           ‫إذ إن الظاهرة كشيء هي‬       ‫مستبعد ًة تما ًما أية معطيات‬
  ‫فحسب على مجرد إدراكه‬        ‫عبارة عن عالم معطى للوعي‬         ‫سابقة‪ .‬وبالتالي لا تسعى‬
                                                             ‫الفينومينولوجيا إلى تفسير‬
                 ‫حسيًّا(‪.)6‬‬       ‫الذي يستغله فى تجاربه‬    ‫العالم عبر البحث عن شروطه‬
 ‫وهذا ما تركز عليه النظرية‬     ‫الخاصة ويصبح كل شيء‬          ‫الممكنة بل هى ُتعنى بتشكيل‬
 ‫الظاهراتية للفن‪ ،‬فهي تركز‬                                  ‫التجربة على أساس أنها أول‬
 ‫على تفاعل الذات بالموضوع‬         ‫خارج عن هذا الوعي لا‬          ‫لقاء وجودي بين الوعي‬
 ‫مما يصعب الفصل بينهما‪،‬‬          ‫قيمة له‪ .‬وتصبح الفعالية‬      ‫والعالم‪ .‬فالظاهرة بالنسبة‬
                                ‫الفلسفية الفينومينولوجية‬     ‫لـ( ُهسرل) ليست فى حاجة‬
   ‫لما هو موجود بينهما من‬                                       ‫إلى تأويل بل هي أحكام‬
 ‫صلة قائمة‪ ،‬وأن المعنى هو‬          ‫هى اكتشاف المضامين‬         ‫معينة تفرض نفسها علينا‬
‫ما نستخلصه من خلال هذا‬           ‫الخاصة لما هو حاضر في‬       ‫فلا نستطيع مقاومتها‪ .‬فما‬
‫التفاعل والتواصل بين هذين‬        ‫الوعي؛ لأنها تنطوي على‬
  ‫العنصرين‪ .‬وهو ما ينطبق‬         ‫أمرين مهمين هما‪ :‬إثبات‬
                              ‫وجود الظاهرة‪ ،‬بما ينضاف‬
    ‫على العلاقة بين القارئ‬      ‫إليها من معنى‪ ،‬عن طريق‬
   ‫والنص‪ ،‬إذ يحدث بينهما‬        ‫صلتها بالشعور الخالص‪,‬‬
   ‫تفاعل تأويلي تحقيقي من‬      ‫والأهمية الأخرى هي إثبات‬
    ‫أجل الوصول إلى الدلالة‬       ‫وجود الذات الفاهمة عن‬
                                 ‫طريق جعل الفهم ينطوي‬
              ‫وبناء المعنى‪.‬‬
 ‫وقد تطورت آراء ( ُهسرل)‬          ‫على دلالة مضاعفة‪ .‬وفي‬
 ‫وأفكاره الفلسفية وتحولت‬        ‫هذه الحالة يبرز لنا الوعي‬

     ‫إلى نظرية نقدية على يد‬      ‫كنشاط منتج للمعنى من‬
     ‫مجموعة من الفلاسفة‬           ‫خلال المراحل الوجودية‬
    ‫والمفكرين الذين أتوا من‬       ‫والتجارب المعاشة التي‬
  ‫بعده‪ ،‬وعلى رأسهم تلميذه‬
‫البولندي (رومان إنجاردن)‬              ‫يمارسها في نشاطه‬
 ‫الذي طبق آراء أستاذه على‬                     ‫الدلالي(‪.)5‬‬
‫دراسة العمل الأدبي إذ رأى‬
 ‫أن «الأعمال الأدبية ملائمة‬       ‫لذلك يميز ( ُهسرل) بين‬
                                  ‫نوعين من الإدراك هما‪:‬‬
                              ‫الإدراك الحدسي التجريبي‪:‬‬
                                   ‫وهو الوعي بالموضوع‬

                                    ‫الفردي كمعطى أصلي‬
                                ‫يدرك أساس خصوصيته‬
   210   211   212   213   214   215   216   217   218   219   220