Page 276 - merit 38 feb 2022
P. 276

‫الهرم المدرج‬                                           ‫العـدد ‪38‬‬                            ‫‪274‬‬

    ‫هرم سقارة المدرج‪ ،‬أقدم بناء‬                                             ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬    ‫بالمعبود الإغريقي (اسكلبيوس)‬
   ‫حجري معروف‪ ،‬والقبر الملكي‬                                                                 ‫راعى الطب والحكمة‪ ،‬وعبدوه‬
 ‫الأول في التاريخ‪ ،‬بني بين عامي‬          ‫كذلك تمثا ًل قو ًّيا من الحجر‬
    ‫(‪2717 -2737‬ق‪.‬م)‪ .‬يقع في‬             ‫(لزوسر) نفسه طمس الدهر‬                            ‫باسم (هرمس)‪ ،‬ولعل هذا يعني‬
   ‫(سقارة) جنوب الجيزة‪ ،‬ص ّمم‬          ‫بعض معالمه التفصيلية‪ ،‬ولكنه‬                          ‫أن المجد في مصر الفرعونية لم‬
 ‫في الأصل ليكون مقبرة للفرعون‬       ‫يكشف عن وجه ذي نظرات حادة‬                                ‫يقتصر على الفراعين وحدهم‪،‬‬
‫(زوسر)‪ ،‬على هيئة ست مصاطب‬                                                                  ‫وإنما كان لبعض الأفراد نصيب‬
                                                  ‫ثاقبة وعقل مفكر‪.‬‬                           ‫منه يزيد على نصيب الفراعين‬
      ‫فوق نفق ينحدر إلى حجرة‬            ‫هذا التمثال الذي عثر عليه في‬
  ‫الدفن‪ ،‬قاعدته طولها ‪ 140‬مت ًرا‪،‬‬                                                                                 ‫أحيا ًنا‪.‬‬
  ‫وعرضها ‪ 118‬مت ًرا‪ ،‬أما ارتفاعه‬           ‫حجرة ضيقة تعرف باسم‬                                  ‫وقد تخلد (إيمحوتب) من‬
                                        ‫السرداب‪ ،‬وتقع شمال شرق‬                                ‫ناحية أخرى‪ ،‬حيث كان أول‬
    ‫الذي يتكون من ست درجات‬                                                                    ‫من استخدم الحجر في البناء‬
 ‫فهو حوالي ‪ 60‬مت ًرا‪ ،‬وكل درجة‬              ‫المجموعة الجنائزية للملك‬                        ‫لأول مرة‪ ،‬وذلك في بناء مقبرة‬
   ‫أو مصطبة تقل عن التي تحتها‬             ‫(زوسر) بسقارة‪ ،‬يعد أقدم‬                             ‫الفرعون (زوسر) وتوابعها‪،‬‬
                                        ‫ما عرف من التماثيل بالحجم‬                        ‫وكذلك الانتقال من شكل المصطبة‬
      ‫حوالي مترين‪ ،‬وارتفاع أول‬          ‫الطبيعي في مصر‪ ،‬وهو يمثل‬                          ‫المستطيلة إلى هيئة الهرم المدرج‪،‬‬
‫مصطبة حوالي عشرة أمتار‪ .‬الأمر‬                                                             ‫الذي تحول إلى الهرم الكامل بعد‬
                                            ‫الملك (زوسر) جال ًسا على‬                     ‫ذلك‪ ،‬فعد وبحق منشئ فن المعمار‬
  ‫الذي يجعله وبحق من العجائب‬           ‫العرش‪ ،‬وقد غطى جسده رداء‬                           ‫الحجري الجميل‪ ،‬بد ًل من مباني‬
      ‫المعمارية للعصور القديمة‪.‬‬         ‫احتفالي‪ ،‬وكان التمثال مكس ًّوا‬                   ‫العصور القديمة المكونة من الآجر‬
                                      ‫بطبقة من ملاط أبيض ثم لون‪،‬‬
‫وقصة هذا الهرم ترجع إلى صباح‬                                                                                   ‫والخشب‪.‬‬
    ‫غائم جلس فيه الملك (زوسر)‬             ‫أما العينان الغائرتان فكانتا‬                       ‫وتقول الأسطورة المصرية إن‬
                                      ‫يو ًما ما مرصعتين‪ ،‬ويتخذ الملك‬
 ‫على عرشه مكتئبًا حزينًا‪ ،‬معتق ًدا‬                                                             ‫أول بناء من الحجر قد أقيم‬
  ‫غضب الإله عليه بسبب سنوات‬              ‫شع ًرا مستعا ًرا أسود يعلوه‬                        ‫بإشرافه‪ ،‬وإنه هو الذي وضع‬
 ‫الجفاف السبع التي سادت عهده‬           ‫لباس الرأس الملكي‪ ،‬فض ًل عن‬                         ‫تصميم أقدم مبنى مصري قائم‬
                                                                                         ‫حتى هذه الأيام‪ ،‬وهو هرم سقارة‬
      ‫بسبب نقص فيضان النيل‪،‬‬               ‫اللحية المستعارة‪ .‬وقد نقش‬
      ‫دون أن يكون هناك أمل في‬       ‫السطح الأمامي من القاعدة بنص‬                              ‫المدرج‪ ،‬الذي ظل لعدة قرون‬
   ‫زوال تلك الغمة وانكشاف تلك‬       ‫هيروغليفي دقيق ينطق عن أسماء‬                          ‫الطراز المتبع في تشييد المقابر في‬
  ‫الكربة‪ ،‬وبينما هو شارد الذهن‬       ‫وألقاب ملك مصر العليا والسفلى‬                         ‫الدولة القديمة‪ ،‬وكذلك هو الذي‬
 ‫إذ دخل عليه كاهن الإله (خنوم)‬                                                            ‫وضع تصميم مجموعة (زوسر)‬
 ‫معبود الشلال‪ ،‬وطلب منه تقديم‬                      ‫وهو (نثر رخت)‪.‬‬
‫القرابين لمعبوده فسيأتيه بالفرج‪،‬‬        ‫ومهما قلنا عن نبوغ وعبقرية‬                             ‫الجنائزية وأعمدتها الجميلة‬
     ‫والفيضان الوفير‪ ،‬والخصب‬             ‫(إيمحوتب) فيجب ألا ننسى‬                         ‫الشبيهة بزهرة اللوتس‪ ،‬وجدرانها‬
‫والنماء؛ لأنه هو الذي يأتي بالنيل‬      ‫أنه لو لم يجد من يقدره ويشد‬
   ‫الطيب والنيل الرديء‪ ،‬فما كان‬      ‫أزره ويدفع به إلى الأمام؛ لضاع‬                              ‫المكسوة بالحجر الجيري‪.‬‬
‫من الملك (زوسر) إلا أن أسرع إلى‬        ‫ذلك النبوغ س ًدى‪ ،‬فلو لم يكن‬                              ‫وتمثل مجموعة (زوسر)‬
  ‫معبده يقدم قرابينه مبته ًل إليه‬   ‫(زوسر) عظي ًما واسع التفكير؛ لما‬                       ‫الجنائزية بداية الفن المصري في‬
                                     ‫تمكن (إيمحوتب) من تحقيق كل‬                          ‫العصور التاريخية‪ ،‬فنجد الأعمدة‬
                  ‫بالدعاء قائ ًل‪:‬‬      ‫ما حققه‪ ،‬ولهذا فقد منحه الملك‬                        ‫الأسطوانية المنقوشة‪ ،‬كما نجد‬
   ‫“قلبي كان في ضيق مؤلم‪ ،‬لأن‬           ‫(زوسر) من التكريم أن كتب‬                          ‫فيها نقو ًشا بارزة تفيض واقعية‬
    ‫النيل لم يفض لسبع سنوات‪.‬‬            ‫اسمه على قاعدة تمثاله الملكي‬                      ‫وحيوية وزخر ًفا أخضر وفخا ًرا‬
                                      ‫الموجود حاليًا بالمتحف المصري‬                      ‫ملو ًنا مطليًّا بطبقة زجاجية‪ ،‬ونجد‬
                                       ‫في سابقه لم تتكرر في التاريخ‬
                                        ‫المصري القديم أن يكتب اسم‬
                                       ‫شخص عادى على تمثال الملك‪.‬‬
   271   272   273   274   275   276   277   278   279   280   281