Page 10 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 10

‫العـدد ‪33‬‬   ‫‪8‬‬

                                                     ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬

‫د‪.‬عوض الغباري‬

‫قصيدة النثر في شعر محمد الماغوط(‪)1‬‬

‫ديوان «حزن في ضوء القمر» أنموذجا(*)‬

‫عصفت رياح الشك الدينى بكثير من الأدباء قدي ًما وحدي ًثا‪ ،‬شر ًقا وغر ًبا‪،‬‬
‫فثاب بعضهم إلى رشده‪ ،‬وك ّفر بعضهم عن ذلك في أدب أُطلق عليه‬
‫المكفرات في التراث العربي‪ .‬ومضى بعضهم إلى المجهول والخواء الديني‬
‫بدعوى انعدام اليقين‪ .‬وكذلك انغمس الإبداع الحداثي في متعة الجسد‪،‬‬
‫وهوس الجنس‪ ،‬بدعوى التحرر من المكبوت معب ًرا عن جنوح أصحابه‬
‫إلى هذا الجانب الذي تسيطر فيه اللذة على كل شيء‪ ،‬في سعى غير‬
‫محدود إلى ما لا يروي هذا الشبق المحموم‪.‬‬

‫والشاعر محمد الماغوط لأنه كان مثاليًّا حالمًا اصطدم‬     ‫في تقديم زوجته «سنية صالح» لديوانه «حزن‬
    ‫بالواقع المرير فتشكل أسلوبه الشعري تجسي ًدا‬
                                                         ‫في ضوء القمر»(‪ )2‬مفتاح لقراءته‪ ،‬فهي شاعرة‬
‫لهذه المفارقة في كثير من البوح بالشجن‪ ،‬والاكتئاب‪،‬‬         ‫أدركت أن شعره نتاج حياته الأليمة‪ ،‬وعبقريته‬
‫والحزن كما في مطلع قصيدة «حزن في ضوء القمر»‬               ‫المتوقدة‪ ،‬وهواجسه النفسية التي أرهفت حسه‪،‬‬
                                                     ‫وأرهقت أعصابه‪ ،‬وكانت كالنار التي صهرت تجربته‬
             ‫التي أخذ الديوان عنوانها حيث يقول‪:‬‬
                      ‫أيها الربيع المقبل من عينيها‬                                          ‫الشعرية‪.‬‬
                                                       ‫تجربة الشاعر محمد الماغوط الأليمة لنشأته فقي ًرا‪،‬‬
               ‫أيها الكناري المسافر في ضوء القمر‬
                                     ‫خذني إليها‬          ‫وانحيازه لميوله المتمردة على كل مستقر من ظلم‬
                                                     ‫اجتماعي وقهر سياسي‪ ،‬وهروبه من وطنه‪ ،‬وسجنه‬
                     ‫قصيدة غرام أو طعنة خنجر‬
                             ‫فأنا متشرد وجريح‬           ‫بلا قضية‪ ،‬كل ذلك‪ ،‬وغيره مما ناء به حمله‪ ،‬أ َّجج‬
                                                        ‫ثورته على الظلم‪ ،‬وأ ّكد سعيه إلى الحرية‪ ،‬والعدالة‬
                 ‫أحب المطر وأنين الأمواج البعيدة‬        ‫الاجتماعية‪ ،‬وتمرده على ما اعتقد أنه اعتقله وحد‬
 ‫يستدعي ليلاه مشتا ًقا‪ ،‬يقول من قصيدة “حزن في‬           ‫من جموحه الهادر في فضاء الإبداع والفكر والفن‬

                                   ‫ضوء القمر»‪:‬‬                                              ‫والثقافة‪.‬‬
                                ‫قل لحبيبتي ليلى‬        ‫كان مبد ًعا في شعره‪ ،‬وفي مسرحه‪ ،‬ومقالاته‪ ،‬وقد‬
           ‫ذات الفم السكران والقدمين الحريريتين‬
                    ‫إنني مريض ومشتاق إليها(‪.)4‬‬            ‫طرق أنواع الأدب المختلفة‪ .‬كتب الرواية‪ ،‬وأجاد‬
   ‫عانى محمد الماغوط من هذه الثنائية المتضادة في‬        ‫السخرية في الأدب السياسي والمسرح الناقد‪ ،‬كما‬
    ‫المفارقة متمثلة في الطباق‪ ،‬خاصة‪ ،‬فحفل شعره‬         ‫كان رائد قصيدة النثر‪ .‬لم يملك من أسلحة التغيير‬
     ‫بمأساته وقد تحولت إلى رفض لقواعد الشعر‪،‬‬
                                                                              ‫الذي نشده إلا الشعر(‪.)3‬‬
   5   6   7   8   9   10   11   12   13   14   15