Page 119 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 119

‫نون النسوة ‪1 1 7‬‬

‫سعيد بنكراد‬       ‫إدوين موير‬                                                                  ‫التطوير‪.‬‬
                                                          ‫وفي هذا المقام نشير إلى أن تقنية المفارقة المتعلقة‬
    ‫ظلت متأثرة بمكنون التقليد في مواضع الرواية‬          ‫بالمبنى الحكائي من أهم تلك التقنيات‪ ،‬تجاورها أو‬
 ‫الجزئية‪ ،‬لكنها غادرت التقليد في الشكل فقط الذي‬           ‫توازيها تقنية التجريب التي يمكن أن تتمظهر في‬
                                                       ‫المبنى الحكائي أو في المتن الحكائي‪ ،‬فهاتان التقنيتان‬
             ‫ممكن أن نطلق عليه الشكل الكلاني‪.‬‬          ‫قادرتان على استيعاب إشكاليات الواقع الاجتماعي‪،‬‬
      ‫فتحت الرواية نفسها بعنوان فرعي (برتقالة‬            ‫وتضفيان جمالية نصية على المضمون الذي ‪-‬على‬
‫حمراء) وبجملة استهلالية باللهجة العامية المصرية‬         ‫الأغلب‪ -‬يتَّسم بتداوليته‪ ،‬فإن اتكأ الروائي عليهما‬
‫(جا َّية تعملي إيه في الدنيا يا م َره؟!”) فاشتغلت هذه‬   ‫فسوف ينقذ منجزه من حيّز الواقعية الساذجة إلى‬
 ‫الجملة اشتغا ًل تعريفيًّا للآتي من الحكي‪ ،‬وأوحت‬        ‫الواقعية الإبداعية‪ ،‬ويفند الروائي بهذا المنحى رأي‬
    ‫للمتلقي أن بطلة هذا المقطع السردي شخصية‬              ‫سعيد بنكراد القائل «لا يخفى على أحد أن الرواية‬
 ‫منتكسة‪ ،‬وأرى أن الروائية قد أخفقت باستهلالها‬           ‫عمل صعب؛ لأنها تنهل من الحياة والحياة سلسلة‬
 ‫هذا وكان الأولى ترك الإضاءات؛ فالإضاءات ‪-‬على‬          ‫تجارب تستعصي على التصنيف الاختزالي»‪( .‬ينظر‬
 ‫الأغلب‪ -‬تعمل على تقليل الدهشة المرتجاة سرد ًّيا‪،‬‬
   ‫ولا نريد أن نلجأ إلى اختصار أحداث هذا المقطع‬             ‫النص السردي‪ :‬سعيد بنكراد‪ ،‬ص‪ ،)88‬وأرى‬
 ‫لان الاختصار ُيفقد جماليات السرد‪ ،‬وإن قراءاتي‬             ‫أن رأي بنكراد هذا مستمد من قراءاته للروايات‬
 ‫هذه لا ُيفيد منها إلا من قرأ الرواية بالكامل وفهم‬        ‫ذات المنحى الساذج‪ ،‬وهي روايات أنجزها كتّاب‬
     ‫مكنوناتها‪ ،‬ولعل النقاد الذين اعتادوا اختصار‬          ‫تقليديون وحكائيون أو بالأدق محاكتيون (نسبة‬
   ‫الروايات قد أساؤوا لتلك الروايات‪ ،‬ولم يبرزوا‬
  ‫جمالياتها أو لم يفككوا بنياتها السردية التي من‬             ‫إلى المحاكاة‪ ،‬محاكاة الواقع أو محاكاة الواقع‬
    ‫الممكن أن تكون غائبة حتى على الروائي نفسه‪.‬‬                                        ‫ونسخه كما هو)‪.‬‬
‫ظهر في البرتقالة الحمراء أو في العنوان من الرواية‬
 ‫خمسة مؤشرات‪ ،‬وعلى النحو الآتي‪ :‬المؤشر الأول‬              ‫سقت هذه المقدمة للولوج في أتون رواية مصرية‬
    ‫هيمنة الأصوات النسائية التي بدأت من القابلة‬                 ‫بعنوان (كوتسيكا) للكاتبة المصرية (غادة‬

                                                           ‫العبسي) صدرت عن مركز المحروسة المصري‬
                                                           ‫بالطبعة الأولى عام ‪2021‬م‪ ،‬وكوتسيكا بحسب‬
                                                          ‫(اليوكوبيديا) حي من أحياء القاهرة‪ُ ،‬س ِّمي بهذا‬
                                                             ‫الاسم نسبة إلى اليوناني كوتسيكا الذي أنشأ‬
                                                            ‫أو بنى مصن ًعا للكحول في مصر عام ‪1893‬م؛‬
                                                           ‫لذا فعنوان الرواية سيحيلنا إلى مؤشرات أولية‬
                                                         ‫منها الأثر النجيبي‪ ،‬وإشكاليات العلاقة بين المكان‬
                                                         ‫والسلوك الشخصي‪ ،‬وابتعاد الرواية المصرية عن‬
                                                       ‫الواقع العربي وإخلاصها لمصريتها‪ ،‬وباختصار إلى‬
                                                       ‫أجواء السيدة زينب والسيدة نفيسة ورأس الحسين‬
                                                            ‫والفتوات وتوتهم ونبوتهم‪ ،‬ومجيء الصعيدي‬
                                                           ‫البسيط إلى المدينة‪ ،‬وغيرها من المترسخات التي‬
                                                       ‫تركتها الرواية المصرية في ذهن القارئ العربي التي‬
                                                           ‫وصلت إليه بفضل التسويق الاحترافي للصناعة‬

                                                                                       ‫الأدبية المصرية‪.‬‬
                                                          ‫هندست الروائية العبسي روايتها هندسة منتمية‬
                                                         ‫إلى التجريب على وفق عناوين فرعية ُمنثالة‪ ،‬فكان‬
                                                         ‫عملها منزا ًحا عن الروايات التقليدية جزئيًّا‪ ،‬لأنها‬
   114   115   116   117   118   119   120   121   122   123   124