Page 115 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 115

‫نون النسوة ‪1 1 3‬‬                                            ‫فهو يصف مشه ًدا في طفولته جعله يؤثر الانعزال‬
                                                           ‫بعده ويقل اختلاطه بمحيطه‪ ،‬فتصف المؤلفة مشه ًدا‬
 ‫لكن هذه الشخصية الهامشية تحول لبطل في الرواية‬
    ‫«وقد ك َّرس العديد من الكتاب إبداعهم ليعبروا عن‬          ‫بقولها‪« :‬اكتشف سمعان ‪-‬مع الوقت‪ -‬أنه يصير‬
    ‫تلك الفئات وأضاءوا الدوافع المحركة للإزاحة من‬           ‫أكثر راحة وطمأنينة بمفرده‪ ،‬خاصة بعد تلك المرة‬
      ‫(المتن) الى (الهامش)‪ ،‬ومن هنا ظهرت مجموعة‬             ‫التي خرج فيها يوم السبت من البيت ومن الحارة‬
    ‫من الأبطال يطاولون قامة هاملت وعطيل وأوديب‬                ‫كلها‪ ،‬ذهب ناحية الحسين باحثًا عن أطفال يلعب‬
     ‫وأرفيوس وسائر الملوك والنبلاء الذين يواجهون‬          ‫معهم‪ ،‬الشحاذون يط ِّوقون المسجد ويضايقون المارة‪،‬‬
                                                            ‫أما العيال فكانوا مندمجين في لعبة جماعية‪ ،‬لمحوه‬
  ‫المأزق التراجيدي‪ ،‬أو يصارعون قوى أكبر من طاقة‬            ‫من بعيد وهو قادم‪ ،‬فعرفوا من سماته أنه من حارة‬
     ‫احتمالهم‪ ،‬لعلهم يظفرون بخلاص نهائي من تلك‬
   ‫العذابات التي تتسم بالقدرية والتباعد عن ملامسة‬                               ‫اليهود‪ ،‬انهالوا عليه سبا ًبا‪:‬‬
      ‫تفاصيل الواقع الحي بزخمه وعلاقاته العادية»‪،‬‬                        ‫‪ -‬امشي من هنا يا يهودي ياكافر»‪.‬‬
   ‫وإذا انتقلنا إلى الإبداع العربي سنجد كتَّا ًبا عديدين‬      ‫فنجد هنا الاضطهاد الذي حصل للطفل اليهودي‬
                                                                      ‫لمجرد كونه مختل ًفا دينيًّا عن المسلمين‪.‬‬
‫احتفوا بهذا النموذج (المهمش) ووجدوا فضا ًء مفتو ًحا‬               ‫بل إن شخصيات رئيسة في الرواية هي من‬
  ‫أمامهم للتعبير عن الهم الإنساني والأحلام والهموم‬         ‫الشخصيات الهامشية في المجتمع مثل شخصية عبد‬
                                                             ‫العليم‪ ،‬الذي يتعامل المجتمع معه باشمئزاز لكونه‬
‫والإحباطات‪ ،‬ومنهم غادة العبسي التي رصدت الكثير‬             ‫يعمل في صناعة البيرة‪ ،‬بل إن زوجته صابرة تعتقد‬
                   ‫من هذه الشخصيات في روايتها‪.‬‬             ‫أن كل مصائبهم تحصل بسبب طبيعة عمل زوجها‪،‬‬

     ‫أما على صعيد اللغة‪ ،‬فنجد أي ًضا المركز والهامش‬
    ‫يتدخل فيها‪ ،‬فالتهميش يبدأ من العنوان‪ ،‬الذي يعد‬

       ‫الركيزة الأساسية لمعرفة النص‪ ،‬فمثلما نسمي‬
‫الأشخاص فإن العنوان يعني الاسم للكتاب‪ ،‬فالعنوان‬

   ‫للكتاب كالاسم للشيء‪ ،‬به يعرف وبفضله يتداول‪،‬‬
     ‫يشار به إليه‪ ،‬ويدل به عليه‪ ،‬وهو بما يحمله من‬

‫قصدية فاعلة لكشف الباطن بفعل إرادة ملزمة للبداية‬
      ‫وإخراج المعنى‪ ،‬فإنه ذو صلة قائم بين مقاصد‬

  ‫المرسل وتجلياتها الدلالية في العمل‪ ،‬فعنوان الرواية‬
   ‫(كوتسيكا) التي تعود إلى تسمية مصنع بيرة وهو‬
    ‫مشروب هامشي دينيًّا واجتماعيًّا‪ ،‬فهو محرم عند‬
‫المسلمين‪ ،‬وهو شراب أقل شأ ًنا وثمنًا لدى من يشرب‬
‫الخمر‪ ،‬فض ًل عن كون العنوان بلفظة غير عربية‪ ،‬فهي‬
    ‫هامش في اللغة وليست متنًا‪ ،‬أما العناوين الفرعية‬
 ‫فمعظمها كان يحتفل بالهامش‪ ،‬مث ًل (برتقالة حمراء)‬
    ‫فهو مأخوذ من أغنية شعبية تدل على بلوغ البنت‬
  ‫وتشبيه دماء دورتها بلون البرتقالة‪ ،‬كذلك نضجها‪،‬‬
 ‫وهو أمر هامشي ومسكوت عنه في العائلة والمجتمع‪،‬‬
   ‫كذلك العنوان الفرعي (خنَّاق الكتاكيت) وهي صفة‬

     ‫على حيوان العرسة الذي عن طريقه قامت القابلة‬
     ‫بتدمير رحم شوقة بعد قتل ابنها في بطنها‪ ،‬وهذا‬
 ‫الحيوان أي ًضا هامشي وغير أليف فهو منبوذ ويذكر‬
     ‫بخبثه في الحكايات الشعبية‪ ،‬كذلك عنوان (الباب‬
   ‫الضيق) دلالة على مكان هامشي فضيق الباب يدل‬
   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120