Page 113 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 113
نون النسوة 1 1 1
المؤثرة حتى تعود الحياة إلى ذلك الحيز المكاني ،ولكن لقد عاشت المرأة في ظل اضطهاد الرجل لسنين طويلة
ربما في الوقت نفسه لا يحدث ذلك الشيء بسبب دون أن تحرك ساكنًا ،ذلك أن هيمنة الرجل وسيطرته
لم تسمح لها بالتنفس خارج سطوته ،وذلك ما جعلنا
ظهور عامل مؤثر آخر ،مث ًل حدوث ظاهرة الجفاف نتطرق إلى هذا النظام «لصعوبة وضعية المرأة وتعقد
أو الفيضانات بعد مرحلة طويلة من النزاع بين مكان
وآخر ،مما يعطل دور المكان في أداء فعله التاريخي، إشكاليتها يدفعان المرء إلى مهمة طرحهما للدراسة
ونجد في الرواية مفهوم المركز والهامش المكاني ينطلق والبحث والتفكيك والنقد والكيفية التي يتم فيها
من دول الحضارات القديمة وصراعاتها (الاغريق، معالجة هذه الإشكالية للخروج من هذه الدائرة المغلقة
الرومان ،الفراعنة) مرو ًرا بصراعات الدول الكبرى وكسر قيودها التي خلفتها عصور الظلام والتخلف،
الغازية (العثمانية ،بريطانيا ،فرنسا) هذه الدول التي في مجتمع له أعرافه وتقاليده وقيمة الأبوية العريقة
اعتبرت نفسها مراكز وع ّدت الدول الأخرى هوامش التي حددت مكانة كل من الرجل والمرأة ودورهما في
يجب احتلالها والتحكم بها ،وهذا ما حصل مع مصر العائلة والمجتمع ،التي فرضت على المرأة أيديولوجيا
والسودان ،أما على صعيد المكان المحلي (الإسكندرية)
فقد تقسمت أي ًضا إلى مركز وهامش ،يقول تيوخاري: تقوم على عدم المساواة بين الجنسين ،وجعلت من
«أكتشف أن ميدان محمد علي قسم هذه المدينة العجيبة المرأة واح ًدا من اثنين :أما أ ًّما ولو ًدا وزوجة مطيعة لا
إلى ثلاث مدن :مدينة الترك ،حيث رأس التين كالتاج تخرج من دارها ولا تقصر في خدمة زوجها ورعاية
فوق جسد العروس ،عن يمينها الميناء الشرقي حيث
أطفالها ،وإما جس ًدا أنثو ًّيا وأداة للإغراء والغواية،
المدينة الأوروبية الراقية بأسماء شوارع فرنسية وهو ادعاء شائع أدى إلى اعتبار المرأة أدني من
ومعمار بطلمي وروماني وإنجليزي قديم ..وعن
شمالها الميناء الغربي إذ يسكن المصريون البسطاء، الرجل ،وهو ما يبرر جعلها تحت وصاية الرجل،
العاملون بالفلاحة والصيد» ،هذان التقسيمان يضاف وهذا ما وجدناه حتى مع زوجات الأجانب في الرواية،
إليهما الحي الفخم (بكونيكا) الذي يعيش فيه الأثرياء
من اليونانيين ،نجد أن الأحياء المصرية (المكس، سواء زوجة (تيوخاري) اليونانية ،أو زوجة أخيه
الأنفوشي) تعد هام ًشا في الإسكندرية مقابل الأحياء (بوليخروني) الفرنسية اللواتي نجد أن أدوارهن
الغنية التي يعيشها الأجانب والأثرياء ،وللحيز المكاني تقتصر على الحمل والولادة والمساندة العاطفية.
أهمية معنوية كبيرة أي ًضا ،إذ إن الكثير من الأماكن كذلك تصور الرواية إشكالية المرأة بتحولها من مركز
شهدت تطو ًرا وازدها ًرا كبيرين رغم أنها نشأت ضمن الحياة الاجتماعية العائلية إلى هامش المجتمع المنبوذ
حيز مكاني محدود المقومات ،إلا أنه استطاع أن يؤدي بوصفها تعمل في البغاء ،فما البغاء إلا صورة من
وظيفته بشكل حيوي وفعال ،وأحيا ًنا يضعف المكان صور التمرد على المؤسسة الزوجية مركز العبودية
من جراء تدهور الوظيفة التي يؤديها ،فمث ًل مدينة الأزلي للمرأة ،وهذا ما نجده في شخصيات (مزاجات
الإسكندرية التي تجري فيها أحداث الرواية ،إحدى وامتثال) ،إذ نجد أن هاتين الشخصيتين تمردتا على
أهم المدن منذ الحضارات القديمة ،وفي أوائل العصر الظلم الاجتماعي لكنهما لم يتمكنا من مواصلة الحياة
الإسلامي ،وذات دور إيجابي فعال ،ومن ثم أخذت
وظيفتها تضعف تدريجيًّا في العهد العثماني حتى إلا بالاتجاه إلى البغاء.
أصبحت قرية صيد بسيطة ،إلا أنها استعادت دورها وكذلك نجد أن الرواية تتلمس المركز والهامش مكانيًّا،
بعد فتح قناة السويس ،إذ أصبحت الميناء الأول
والعاصمة الثانية للدولة لما تمتلكه من مقومات مكانية إذ يعد المكان جغرافيًّا الحيز الذي يتم فيه حدوث
التبادل أو التفاعل في شتى مجالات الحياة ،اما تاريخيًّا
فذة. فيعد المكان الحيز الذي تحدث فيه شتى الصراعات أو
أما على صعيد الشخصيات ووجودها الاجتماعي،
النزاعات التاريخية ،وقد تتوفر الشروط كافة لنجاح
فالمهمش هو الذي يعيش منفر ًدا غير مندمج في وبروز الدور المكاني في أي مرحلة من التاريخ ،ولكن
قد لا يحدث ذلك الظهور لتضافر أسباب عديدة تحول
دون الاهتمام به ،على سبيل المثال عندما يحدث النزاع
أو الصراع بين مكانين (مدينتين أو دولتين) يتأثر
بهذا النزاع الحيز المكاني ،وما إن تزول الأسباب