Page 109 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 109

‫نون النسوة ‪1 0 7‬‬                                    ‫الذي يحكمها نتيجة التحولات التاريخية أو الفروق‬
                                                      ‫العمرية أو الرغبة المتجددة في التغيير‪ ،‬تتحد أمام‬
                        ‫بول ريكور‬                       ‫المصير الجمعي الذي يشترك في صناعته أجيال‬
                                                      ‫عديدة متعاقبة تؤكد ارتباط مصير الفرد بمصير‬
  ‫وبالوافدين إليه من الأجانب بجنسياتهم المختلفة‪،‬‬                            ‫الجماعة على مر العصور‪.‬‬
    ‫وكذلك بطقوسه وعاداته وأعياده التي لم تفرق‬
             ‫آنذاك بين يهودي ومسيحي ومسلم‪.‬‬                      ‫تحريك الذاكرة‬
        ‫فنجد عشق أنطون ‪-‬أحد العاملين بمصنع‬
                                                          ‫تبرز رواية «كوتسيكا» ‪-‬الصادرة عن مركز‬
  ‫كوتسيكا اليوناني‪ -‬للست أم كلثوم «هو جز ٌء من‬       ‫المحروسة بالقاهرة في هذا العام‪ -‬للكاتبة المصرية‬
     ‫طقوس أصيلة ُتمارس على مدار سنوات‪ ،‬منها‬           ‫غادة العبسي استراتيجيات تحريك ذاكرة الماضي‬
     ‫الصحو على قرآن الشيخ محمد رفعت المُن َبعث‬      ‫وإحيائها عبر أجيال عديدة شهدت ظروف تاريخية‬

  ‫من راديو القهوة التي يسكن بالقرب منها»‪ ،‬بينما‬        ‫متحولة وسياقات اجتماعية متباينة داخل مصر‬
    ‫يرتبط سمعان اليهودي ‪-‬العامل أي ًضا بالمصنع‬           ‫وخارجها‪ ،‬من خلال استحضار سيرة مصنع‬
        ‫ذاته‪ -‬بالمعابد والأعياد و»طقوسها المرتبطة‬
                                                        ‫كوتسيكا‪ /‬كوزيكا بحي طرة‪ ،‬وحكاية مؤسسه‬
  ‫بأماكن بعينها في مصر»‪ ،‬فهو «لم يؤمن في حياته‬         ‫تيوخاري كوتسيكا الذي كان أحد أثرياء الجالية‬
  ‫بوط ٍن سوى هذا البلد‪ ،‬الحارة‪ ،‬الفابريكة‪ ،‬جيرانه‪،‬‬      ‫اليونانية في مصر بداية القرن العشرين‪ ،‬وتتبع‬
  ‫حتى ولو َن َع َته البعض بالكافر أو الجاسوس أيام‬     ‫تاريخ أجيال عائلته اليونانية التي عاشت وامتدت‬
‫الثورة»‪ ،‬وكلاهما تجمعهما الصحبة الطيبة ومشاعر‬
   ‫الاطمئنان والإحساس بالتساوي مع كل من عبد‬                                      ‫في محافظات مصر‪.‬‬
‫العليم ومصطفى والخواجة ستافانوس «في فابريكة‬             ‫ولأن استدعاء الماضي هو بدوره ابتكار‪ ،‬لجأت‬
  ‫طرة‪ ،‬حيث أكل عيشهم وصنعتهم التي لا يتقنون‬             ‫الكاتبة إلى مزج سيرة عائلة كوتسيكا اليوناينة‬
                                                        ‫بسيرة عائلة مصرية ‪-‬عائلة عبد العليم العامل‬
                                        ‫غيرها»‪.‬‬         ‫بمصنع اليوناني‪ -‬متخيلة‪ ،‬كآلية تساعدها على‬
 ‫وكان من أهم استراتيجيات تحريك الذاكرة بالنص‬           ‫إنتاج ذاكرة تاريخية يتكامل نسيجها الاجتماعي‬
                                                       ‫وتتواصل ملامحها الثقافية‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬تشهد على‬
      ‫كذلك توثيق تاريخ المكان ‪-‬الشوارع والبيوت‬        ‫نموذج التعايش بين الطوائف المختلفة ‪-‬اليونانية‬
      ‫والمقاهي والمصانع والمدن‪ -‬بوصفه جز ًءا من‬      ‫المسيحية والمصرية اليهودية والمسلمة‪ -‬والعلاقات‬
                                                       ‫المتقاربة بينها داخل المجتمع المصري الذي اتسم‬
                                                    ‫بالتنوع الحضاري وتبني التعددية الثقافية واحترام‬

                                                           ‫الاختلاف الديني في فترات كثيرة ومتعاقبة‬
                                                                                           ‫بتاريخه‪.‬‬

                                                      ‫ولذلك‪ ،‬فقد اتسمت الرواية ‪-‬التي جاءت في ‪382‬‬
                                                    ‫صفحة من القطع المتوسط‪ -‬بانتقاء أحداث تاريخية‬

                                                        ‫مهمة وفارقة ‪-‬محليًّا وعالميًّا‪ -‬وإعادة تشكيلها‬
                                                     ‫سرد ًّيا وترتيبها من جديد وفق وجهة نظر كاتبتها‬
                                                     ‫واحتياجات الحاضر‪ ،‬حيث يمتزج التاريخ بالخيال‬

                                                       ‫لتكوين سردية روائية طويلة تعيد إنتاج الذاكرة‬
                                                         ‫الاجتماعية‪ /‬الثقافية للمجتمع المصري بأبنيته‬

                                                       ‫وبانيها‪ ،‬وبأهله من الفلاحين المصريين البسطاء‬
   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113   114