Page 59 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 59

‫‪57‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

     ‫تحديد اللقطة‪ ،‬واللقطة هي تحديد الحركة التي‬         ‫فرانسوا ليوتار وميشيل بوتور ووقف عند مناهج‬
  ‫تجري داخل المنظومة المغلقة بين عناصر أو اجزاء‬            ‫النقد المعاصر كما تحدث عن مسرح الموت وفن‬
‫المجموع”(‪ ،)29‬فض ًل عن العناية بضبط حدود الإطار‬                                      ‫الضحك المسرحي‪.‬‬
   ‫‪ )30(cadrage‬منطل ًقا من حقيقة أننا “إذا ما أردنا‬       ‫وفي كتابه (شخصية المثقف في الرواية العراقية)‬
                                                           ‫مارس د‪.‬عقيل مهدي دوره كناقد روائي متتب ًعا‬
   ‫أن نفهم الفن الحديث يتعين علينا أن نضعه أو ًل‬
  ‫في إطاره التاريخي والثقافي وأن ننظر إليه بمنظار‬      ‫تفاعل الإنسان ضمن صراع القيم في نسيج الرواية‬
                                                             ‫“حيث تتنوع ذات السارد على مستوى الوعي‬
                             ‫القرن العشرين”(‪.)31‬‬
   ‫ولا يخفى أن دخول الدكتور عقيل مهدي معترك‬                ‫بالوجود والأفكار والتشكيل الحضاري وتقاليد‬
 ‫هذه الممارسات الجمالية والفنية ليس بالأمر السهل‬                          ‫الثقافة الروائية في العراق”(‪.)26‬‬
‫جمعه‪ ،‬كما أن الاتزان في تطبيقاته ليس مي َّس ًرا‪ ،‬ومع‬
‫ذلك أظهر تفننًا في كل ذلك مدل ًل على إخلاص وولع‬             ‫وهو الذي رأى أن شخصية المثقف العراقي قد‬
                                                            ‫تعرضت لآثار كارثية طالت الداخل وغارت إلى‬
        ‫كبيرين تمتعت به نفسه التواقة إلى الجمال‪.‬‬           ‫الخارج بسبب القمع السياسي وقوانين التطور‬
      ‫وكان سقراط قد سأل فيادروس إن كان لدى‬                 ‫الاجتماعية التي تحاول تدمير وعي المثقف حتى‬
  ‫الزارع الماهر بذور يهتم بها ويتمنى أن تثمر فهل‬         ‫أن “فايروس الأيديولوجيا حجب عن الناس رؤية‬
    ‫يذهب بها على التو‪ ..‬بغرض اللهو‪ .‬أليس المعقول‬          ‫واقعهم المأساوي المتسفل مما أنتج شرو ًرا”(‪.)27‬‬
 ‫أنه يعنى بها فيسترشد بفن الزراعة كي يبذرها في‬               ‫وإذا كان الجزء الأول من الكتاب نظر ًّيا يتعلق‬
 ‫الأرض المناسبة ثم يسعد بجنيها بعد ثمانية أشهر‬         ‫بالشخصية والراوي وتمثلات السرد كالبناء الذاتي‬
 ‫حين يبلغ ما بذره تمام نضجه؟ فأجاب فيادروس‪:‬‬            ‫للشخصية والتبئير وتوظيف الوحدات الموفولوجية؛‬
       ‫إنه سيفعل ذلك إن كان جا ًّدا يا سقراط”(‪.)32‬‬           ‫فإن الجزء الثاني كان تطبيقيًّا حلّل فيه الناقد‬
   ‫وهذا ما شخص واض ًحا وجليًّا في عطاء الدكتور‬            ‫روايات متعددة‪ ،‬وابتدأ برواية المعظم للروائي طه‬
    ‫عقيل مهدي الذي طغت عليه المقصدية الخالصة‬           ‫شبيب ووجد فيها فض ًحا لأدعياء الثقافة‪ ،‬ثم روايات‬
  ‫لوجه الفن والجدية في الإخلاص السقراطي لروح‬                ‫أخرى مثل محنة فينوس ومملكة البيت السعيد‬
    ‫الفضيلة التي ترى الجمال في كل شيء حتى أن‬             ‫وغيرها‪ ،‬وفي كل هذه النقود تغدو النزعة الواقعية‬
     ‫القبح يمكن أن ينطوي على مضمون استيطقي‬
‫جمالي إيجابي(‪ ،)33‬ناهيك عن حرية الفكر التي لولاها‬                ‫النقدية هي المهيمنة على تحليلاته النقدية‪.‬‬
‫ما كان للنقد الذي أوجده سان إفرمون ومونتسكيو‬               ‫بينما لم تكن ثيمة المثقف واضحة أو مركزية في‬
    ‫والمتصل بالفلسفة والتاريخ على السواء أن ينمو‬          ‫تلك التحليلات التي غابت عن بعضها الشخصية‬
                                                        ‫المثقفة‪ .‬وهذه المفارقة بين ما يفترض الناقد وجوده‬
                 ‫ليحل العلم محل العلم الإلهي(‪.)34‬‬        ‫والمتحقق الواقعي على المستوى الروائي سيتداركه‬
  ‫وبهذا يتموقع عطاء الدكتور عقيل مهدي شاخ ًصا‬             ‫الناقد في الخاتمة‪ ،‬مؤك ًدا أ َّن رواية ما بعد الألفين‬
                                                           ‫رواية لم تستطع أن تظفر بالنموذج المثقف الذي‬
      ‫محت ًل مكا ًنا ممي ًزا في خارطة الإبداع العراقي‬       ‫يرفض مبدئيًّا الرضوخ للضغوطات السياسية‬
      ‫والعربي جام ًعا المنهجي بالإبداعي‪ ،‬والمدرسي‬         ‫والعادات المجتمعية البالية التي تروم تحويله إلى‬
      ‫بالعملي‪ ،‬والفني بالثقافي‪ ،‬مؤط ًرا ذاته في لوحة‬        ‫شيء أو مستودع لذة‪ ..‬وأن هذا هو السبب في‬
       ‫خاصة تظل ترفد ناظريها بالجديد والأصيل‬             ‫الاختلاف بين فنية الرواية المطلوب إنجازها وبين‬
                                                        ‫الخضوع للوقائع مما أربك المعادلة بين ذات البطل‬
                                                          ‫الإشكالي المثقف والموضوع في متنه الحكائي(‪.)28‬‬
                                                       ‫ولم ينفصل اشتغاله كناقد روائي عن انهماكه كناقد‬
                                                          ‫مسرحي بمفاهيم الدراما والحبكة وتقانة المشهد‬
                                                          ‫والتقطيع المونتاجي الذي هو “التقطيع الفني هو‬
   54   55   56   57   58   59   60   61   62   63   64