Page 228 - merit 51
P. 228

‫العـدد ‪51‬‬                            ‫‪226‬‬

                                     ‫مارس ‪٢٠٢3‬‬

      ‫ثانية للبوح “إلى متى يستمر‬       ‫بد ًءا من شخصية عزيزة الجنرال‬       ‫المستوى الدرامي متخذة من عنصر‬
 ‫مسلسل الكذب والتدجيل‪ ،‬وتزييف‬            ‫الرئيسية التي مثلت دور المرأة‬          ‫التشويق أداة فنية ساهمت في‬

      ‫التاريخ‪ ،‬والضحك على أذقان‬        ‫المسيطرة‪ .‬عرفت بقوتها وتحكمها‬        ‫تأثيث البناء الدرامي للنص‪ .‬إلى أن‬
    ‫المجتمع؟ وإلى متى يبيع الكتاب‬     ‫في مصائر الناس داخل مدينة عين‬         ‫تحدث المفارقة بظهور عزوز الذي‬
  ‫والأدباء أقلامهم مرتزقة للتافهين‬   ‫الرماد‪ .‬وتعود نزعة التسلط فيها إلى‬      ‫وجد في إحدى مناطق عين الرماد‬
    ‫والطواغيت؟” الرواية ص‪.218‬‬        ‫الطفولة المعذبة التي عاشتها مع أب‬
     ‫مناجاة فاتح عكست مشاعره‬          ‫متسلط‪ .‬عذب والدتها بأبشع أنواع‬          ‫“علما أن عزوز المرنيني كان قد‬
    ‫الممزقة وأحلامه المذبوحة داخل‬      ‫التعذيب‪ ،‬إلى أن قتلها‪ ،‬وينتهي به‬        ‫قتل منذ خمس سنوات‪ ..‬وحكم‬
 ‫مجتمع عين الرماد‪ ،‬فاعتكف يكتب‬                                               ‫على قاتله (المزيف) بعشرين سنه‬
‫خواطره “سرقوا كل شيء‪ ..‬تمضي‬                    ‫العمر إلى السجن المؤبد‪.‬‬
‫وحدك‪ ..‬تمارس العشق والاحتراق‪..‬‬             ‫الحوار الداخلي يعكس المظهر‬                ‫سجنًا” الرواية ص‪.311‬‬
 ‫تعانق الاغتراب‪ ..‬مدينتنا يا أحبتي‬        ‫النفسي والانفعالي للشخصية‬            ‫كان للحوار النصيب الأكبر في‬
‫ضاجعها هولاكوعلى الأرض الخلاء‬          ‫داخل الرواية‪ .‬وقد صور الروائي‬        ‫الرواية‪ ،‬فالحوار الخارجي حاضر‬
    ‫واعتال من أفقها بد ًرا كان يبدد‬     ‫جلاوجي كل شخصيات الرواية‬             ‫بقوة ليكشف عن الرؤى والأفكار‬
                                         ‫في حالة من القلق والاضطراب‬            ‫المتعلقة بالشخصيات وتفاعلها‬
                       ‫الظلماء‪..‬‬         ‫ممتزجين ببعض الأمل والحب‪.‬‬          ‫مع الأحداث داخل الرواية‪ .‬عزيزة‬
    ‫مدينتنا أسلمت شموخها للدود‬         ‫“فاتح اليحياوي” أحد شخصيات‬            ‫الجنرال صاحبة النفوذ شخصية‬
                                        ‫الرواية‪ .‬جامعي مثقف قرأ لكبار‬        ‫انفعالية تثور ثائرتها أمام كل من‬
                         ‫والفناء‬     ‫الفلاسفة والأدباء واطلع على التراث‬      ‫يعارضها‪ .‬استشاطت غضبًا عند‬
   ‫فها مديننا لا تنجب غير البلهاء”‬    ‫الأدبي الغربي والعربي‪ .‬من مدينة‬          ‫استلام زوجها استدعاء مخبر‬
                                         ‫عين الرماد حاول تغيير الواقع‬        ‫الشرطة بضرورة حضور ابنهما‬
                ‫الرواية ص‪.222‬‬         ‫الاجتماعي الذي يعيش فيه‪ ،‬ورأى‬            ‫فواز إلى مركز التحقيق الأمني‪،‬‬
    ‫يقرر فاتح العزلة متصال ًحا مع‬        ‫أن هذا التغيير لا بد أن يبدأ من‬   ‫“عزيزة‪ :‬ابني بريء هل تفهم؟ ابني‬
    ‫ذاته‪ ،‬بما تحمله من قيم وأفكار‬    ‫إصلاح السياسة‪ ،‬لأن السياسي هو‬
   ‫آمن بها في مجتمع لا يقدر العلم‬    ‫الرأس الذي يقود المجتمع ويوجهه‪.‬‬                                 ‫بريء‬
 ‫ولا مكان للعلماء فيه‪ .‬لا يهتم فاتح‬    ‫فاتح اليحياوي وجد نفسه وسط‬           ‫الزوج “سالم”‪ :‬أعرف هو لم يفعل‬
  ‫لشيء سوى “أن يعيش الإنسان‬          ‫شعب “لا يؤمن بالعلم والثقافة‪ .‬ولا‬
  ‫قناعته‪ ،‬ثم يجوع أو يشبع فالأمر‬      ‫بالعمل الشريف” الرواية ص‪.176‬‬            ‫سوى أنه داس شخ ًصا وهو في‬
 ‫سيان‪ ،‬ألم يجع الأنبياء والفلاسفة‬       ‫الجنرال الكبير “الشخصية التي‬       ‫حالة ُس ْكر‪ ،‬فليخبر الشرطة ويطوى‬
‫وتشبع البهائم؟” الرواية ص‪.244‬‬        ‫لمح لها الروائي دون أن يطلق عليها‬
 ‫هذا ما أسر به فاتح إلى نفسه وهو‬     ‫اس ًما معينًا” كان وراء الفساد الذي‬                            ‫الملف‪..‬‬
                                     ‫تعيشه مدينة عين الرماد‪ ،‬يطلب من‬            ‫‪ -‬سالم‪ ،‬لماذا لا تتقدم أنت إلى‬
               ‫في خلوته الجبلية‪.‬‬     ‫فاتح اليحياوي المثقف بأن يكتب له‬      ‫الشرطة وتعترف أنك أنت الفاعل؟”‬
   ‫صورت رواية الرماد الذي غسل‬          ‫مذكراته‪ ،‬فالجنرال حتما له تاريخ‬
                                      ‫يجب أن يكتب‪ ،‬ليبقى قب ًسا لشباب‬                      ‫الرواية ص‪.290‬‬
      ‫الماء مظاهر الفساد السياسي‬                                              ‫تتوسل عزيزة زوجها سالم بأن‬
      ‫والأخلاقي‪ ،‬وانهيار القيم في‬                             ‫الوطن‪.‬‬          ‫يمثل دور الجاني لإنقاذ ابنهما‪.‬‬
    ‫هذا الزمن في بعض المجتمعات‪.‬‬         ‫كان فضاء المعرفة في مدينة عين‬       ‫الابن الذي أفرطت في دلاله وغفلت‬
  ‫وتهميش المثقف وعزله عن مهمته‬           ‫الرماد محاص ًرا‪ ،‬فلم يجد فاتح‬      ‫عن توجيهه فكان مصيره الإدمان‬
    ‫التي ُوجد لأجلها بتخويفه وبث‬        ‫اليحياوي مساحة يعبر فيها عن‬         ‫على الخمر ومصاحبة رفقاء السوء‬
                                        ‫أفكاره‪ ،‬إلا المناجاة التي تعد لغة‬
                      ‫الرعب فيه‬                                                            ‫وبالتالي ضياعه‪.‬‬
                                                                           ‫كان للحوار الداخلي الحضور المميز‬

                                                                               ‫على شكل استرجاع واستذكار‬
                                                                           ‫ومناجاة‪ ،‬نتيجة للقلق النفسي الذي‬
                                                                            ‫يعتري دواخل شخصيات الرواية‪.‬‬
   223   224   225   226   227   228   229   230   231   232