Page 224 - merit 51
P. 224
العـدد 51 222
مارس ٢٠٢3
فهو هنا يصف الجثث الملقاة على شرس رحت أسحق بين أصابعي الخضراء وجرار اللبن وعناقيد
كل جانب بأنها هادئة مستسلمة، تويجات الوردة الحمراء وأنثرها التمر ،فلا بد للقادم التوقف
بعصبية فوق غبار الساحة .شيء
لا فرحة ولا حزينة ،وقد شبه واحد أحسست به فيما بعد :بقع أمام هذا الحشد ليسلم ويحيي
الشعوب المقهورة المستسلمة حمراء فوق راحة كفي ،لم أفهم ويتناول شيئًا من طعام الفقراء
بالجثث العفنة ،دليل حقارة فعل إن كانت د ًما أم أنها صباغ ورد»
الاستسلام الذي تشمئز منه بعد رحلته الشاقة ،وإذ ذاك
ص.58 ستنثر الزهور البرية ويتوج
النفوس الأبية. قصة «الفيضان»: بأوراق الغار التي أحضرتها
فيما جاء تعبير «في إغفاءة طويلة» التحرر هدف البطل ،فمن قي ٍد الفلاحات من الغابة» ص.56
وظلم يؤرقه قرر فك قيوده ،حتى ورغم فقرهم فقد أص ُّروا على
تأكي ًدا لذلك الاستسلام الذي لا أنه اعتبر قتله أباه وطلاق زوجته حسن استقباله ،فها هو أحدهم
أمل في انزياحه. أولى خطوات التحرر ،حتى إذا يقف أمام المرآة يمرن نفسه على
ظن الذي تحرر أنه وصل مبتغاه، كيفية تحية الزعيم القادم ،ويحار
قصة «وشاح وردي لرجل اكتشف أن العالم أجمع يرزح فيما يقدم له من هدية حرص على
وحيد»: تحت أصفاد العبودية والقيد، رغم بساطتها أن يقدمها ،فكانت
فلا يكون الخلاص هنا سوى أجمل وردة في الغابة ،حلم بأن
تتعرض تلك القصة التي كتبت بفيضان يجتاح تلك الصحراء يضعها في عروة جاكتته ،هكذا
عام ،1976لحرب التحرير في ويشق في بور أرضها أسبابا ظن أنه سيكون مصاف ًحا قريبًا
الجزائر -والتي اندلعت عام للحياة. له.
-1954من خلال ذلك البطل وهو إنما يرمز بالفيضان للثورة، وتتمادى أحلام البسطاء ،حتى
الثائر الذي ينتصر للطبقة العاملة تحل الصدمة وسط انتظارهم غير
ويراها الأمل في ثورة مقبلة، وهو ما يؤكده مشهد النهاية: الملول ،بأن يمرق موكب سيارات
فهو اشتراكي الرؤية ،برجوازي «عندما خلت الساحة بقي وحده.. فارهة لا تتوقف ولا يدرون أين
الماضي ،وما بين بيروت ومصر البطل فيها ،ليدركوا أنهم كانوا
والجزائر وفلسطين ،تتبدى ثم فجأة فتحت أبواب مغلقة واهمين وأن الواقع مختلف تمام
رحلته ،فيترك من خلفه أسرة اندفع منها رجال موثقون ..وكما الاختلاف عن أحلامهم البسيطة.
ووطنًا ومآ ًل ،ولا يعنيه سوى تتالت موجات من الرعد المتواصل «لم أفهم ماذا حدث .لم أستطع أن
إشعال فتيل ثورة الخلاص، أفهم .لم أكن حزينا بقدر ما كنت
وتحرير الشعوب من ربقة ذلها. هكذا أقبل البحر طاغيًا مجتا ًحا مقهو ًرا :أناقتي وصوتي وفرحي
يؤمن البطل جزائري الأصل وسط ظلام أضيء بنجوم من
بأن الثورة لا بد من اندلاعها في ذهبت سدى!» ص.58
أي وطن يتعرض للظلم ،فكأنه دم» ص.131 فيما يأتي مشهد النهاية معب ًرا
جيفارا وقد ُبعث بين العرب، تحفل القصة بالعديد من الرموز عما يجيش بالنفوس من خيبة
يتنقل من بلد مغتصب لآخر، والإشارات ،فنراه يقول واص ًفا الأمل والانطفاء ،فيمزق البطل
يؤمن بقيمة العمل الجماعي الوردة التي كان ينتوي إهداءها
ودوره في التحرير ،فها هو يقول: استسلام الشعوب لمستعمريها
«ليس للفرد قيمة كبرى في عصر وظالميها ،في تداخل يتضح بين له ،وينثرها لفتات ،ويتساءل
حالها وحاله« :لا يختلف كثي ًرا عندما يجد أصابعه قد صبغت
الجماهير» ص.157 عن هذه الوحوش التي تجتاز بلون أحمر :أو قد جرح أم تلك
لتنتهي القصة نهاية مفتوحة ،فهو هذا التيه الحاد ،والتي تبحث عن
حياتها بين جثث فرقت كالخرق.. صبغة الورد؟
ما زال مرتح ًل بين البلاد ،داعيًا ما كانت حزينة ولا فرحة ،فقط في سؤال رمزي مؤلم ،ندرك
للثورة على الطغيان. بدت هادئة ومستسلمة لإغفاءة إجابته من مر صيغته« .كطفل
ولعنوان القصة «وشاح وردي طويلة» ص.111
لرجل وحيد» دلالات مهمة،