Page 222 - merit 51
P. 222

‫بهذه الغنيمة التي تحولت الآن إلى‬                               ‫العـدد ‪51‬‬                          ‫‪220‬‬
          ‫ما يشبه الجثة» ص‪.9‬‬
               ‫قصة «الرهان»‪:‬‬                                                  ‫مارس ‪٢٠٢3‬‬    ‫بالمقاومة الفلسطينية مع بدايات‬
                                                                                                         ‫الحرب اللبنانية‪.‬‬
    ‫وفيها يتخذ الكاتب من نماذج‬           ‫المجموعة‪ ،‬وبها يتبدى الانتقام‬
  ‫ثلاثة مثا ًل لحال العرب‪ ،‬ودلي ًل‬       ‫من الأعداء كحلم‪ ،‬مجرد حلم‪،‬‬                         ‫إنه ذلك الأديب الثائر‪ ،‬الذي لم‬
                                         ‫يثور خلاله البطل ليقضي على‬                       ‫يكت ِف بالقلم سلا ًحا‪ ،‬بل تجاوزه‬
      ‫على تشرذمهم واختلافاتهم‬
 ‫الأبدية‪ ،‬فبين سوري وفلسطيني‬               ‫من وصموه يو ًما بالضعف‬                             ‫لفعل المشاركة‪ ،‬إنه العروبي‬
                                      ‫والعجز‪ ،‬بل ويمثل بجثثهم‪ ،‬بينما‬                         ‫القومي الذي أبى إلا أن يفنى‬
   ‫ومصري يدور حوار صدامي‬                                                                     ‫عمره مقاو ًما ثائ ًرا ضد الظلم‬
     ‫ينبع من العبث ويؤول إليه‪.‬‬           ‫هو في الحقيقة يبدو مستسل ًما‬
                                          ‫لأحلام اليقظة‪ ،‬وتلك الأوهام‬                                   ‫أينما كان ووجد‪.‬‬
    ‫والأبطال الثلاثة إنما يرمزون‬       ‫التي تملأ مناماته‪ ،‬وفيها ينتصر‬                        ‫هكذا‪ ،‬توحد الكاتب مع أبطال‬
   ‫إلى الدول التي كانت مستعمرة‬                                                            ‫قصص المجموعة‪ ،‬ففي كل قصة‬
  ‫من قبل العدو الصهيوني آنذاك‬               ‫ويحلق مل ًكا يرفل في نعيم‬                      ‫منها نلمح جيفارا العرب‪ ،‬الناقم‬
 ‫«قبل ‪ ،»1973‬أي أن الواقع ذاته‬           ‫القصور وكنوز البحار‪ ،‬إلى أن‬                         ‫الثائر على كل ضيم‪ ،‬والباحث‬
   ‫والمصير نفسه يجمعهم‪ ،‬ورغم‬              ‫تلوح الحقيقة‪ ،‬وبها يتأكد أنه‬                   ‫الدائم عن حرية الشعوب وخلعها‬
   ‫ذلك فالاتفاق هو أبعد ما يكون‬          ‫ح ًّقا ضعيف إلى أقصى حدود‬                            ‫عباءة الاستسلام والمداجنة‪.‬‬
   ‫عنهم‪ .‬وقد عبر عن ذلك حينما‬         ‫الضعف‪ ،‬الأمر الذي يحوله صي ًدا‬                        ‫ولأن تلك المجموعة القصصية‬
  ‫قال متهك ًما‪« :‬كان الثلاثة عر ًبا‪،‬‬   ‫سه ًل وطعا ًما مستبا ًحا لجيوش‬                     ‫قد صدرت في طبعتها الأولى عام‬
                                          ‫النمل‪ ،‬وجثما ًنا لا تدري أح ًّقا‬                ‫‪ ،1975‬في بغداد‪ ،‬وفي طبعة ثانية‬
     ‫ُكتب على جواز سفر أحدهم‬           ‫فارقته الحياة‪ ،‬أم أنه ح ٌّي دونما‬                  ‫عام ‪ 1982‬ببيروت‪ ،‬وفي سوريا‬
     ‫فلسطيني‪ ،‬وعلى جواز الآخر‬                                                             ‫عام ‪ ،1986‬وفي طبعة رابعة عام‬
  ‫سوري‪ ،‬وكان الثالث مصر ًّيا‪»..‬‬           ‫حياة‪ ،‬إنها تلك المقارنة وذلك‬                    ‫‪ 2006‬بسوريا‪ ،‬فنراها تتعرض‬
                                         ‫التماهي بين حال بطل القصة‪،‬‬                      ‫في أفكار قصصها الإحدى عشرة‪،‬‬
                        ‫ص‪.13‬‬           ‫وما يحياه العرب منذ زمن‪ ،‬فهم‬                        ‫للفترة من ‪ ،1948‬مرو ًرا بثورة‬
   ‫وكأن العروبة والانتماء تحولا‬         ‫مكتفون بالحلم‪ ،‬وفيه يصولون‬
                                         ‫ويجولون‪ ،‬ثم يستيقظون على‬                              ‫‪ 1952‬وما تلاها من حرب‬
      ‫لمجرد خانة في جواز سفر‪.‬‬          ‫واقع مرير‪ ،‬وقد استحالوا جثثًا‬                       ‫التحرير بالجزائر ‪ ،1954‬وأزمة‬
   ‫يؤكده ذلك اللهو والغي اللذين‬           ‫مستباحة لمستعمر هنا وظالم‬                        ‫لبنان ‪ ،1958‬ثم تداعيات نكسة‬
                                                                                          ‫يونيو‪ ،‬وصو ًل لانتصار أكتوبر‪،‬‬
       ‫يجوث الثلاثة بهما‪ ،‬فبينما‬                               ‫هناك‪.‬‬                      ‫حتى عام ‪ ،1976‬وذلك في الدول‬
     ‫يخوض الفلسطيني في حوار‬              ‫«هكذا بدأ محمود بن عبد الله‬
                                        ‫الزبيري يثأر من أعدائه واح ًدا‬                       ‫العربية التي رزحت تحت نير‬
       ‫عنيف «مجرد حوار وفعل‬            ‫واح ًدا‪ ،‬وهو مستلق فوق عرشه‬                       ‫استعمار أو حرب أهلية أو غيرها‪،‬‬
  ‫كلامي» مع زميليه عن ضرورة‬
‫قيام الحرب ضد العدو أم لا‪ ،‬نراه‬             ‫بينما النمل الصغير الحقير‬                        ‫مثل مصر‪ ،‬فلسطين‪ ،‬سوريا‪،‬‬
   ‫قد وصل لتوه من لقاء حميمي‬          ‫يصعد الجسد السابح في غيبوبته‬                                 ‫الجزائر‪ ،‬لبنان‪ ،‬العراق‪.‬‬

      ‫مع عشيقة يتباهى بقدراتها‬          ‫وأحلامه‪ ..‬كان النمل قد تحول‬                          ‫إذن فهي تعد توثي ًقا وتأري ًخا‬
     ‫الجنسية‪ ،‬في إشارة جلية إلى‬            ‫الآن إلى جيوش‪ .‬زحفت من‬                             ‫أدبيًّا لفترات تاريخية فارقة‬
 ‫استغراق العرب في لهوهم‪ ،‬بينما‬             ‫كل فج عميق فاحتلت جسد‬                          ‫وعصيبة في تاريخ الأمة العربية‪.‬‬
 ‫تتجه دفة الحوار أخي ًرا إلى رهان‬                                                             ‫ويمكننا الاقتراب أكثر لإلقاء‬
‫على قيام الحرب من عدمه‪ ،‬ورغم‬             ‫الرجل الحالم‪ ،‬وراحت تجوس‬                        ‫الضوء على نماذج من قصص تلك‬
‫اختلاف آرائهم إلا أنهم قد اتفقوا‬       ‫خلاله بحرية مطلقة‪ ،‬وإذ تأكدت‬
     ‫في النهاية على تهوين الأمر‪،‬‬                                                                               ‫المجموعة‪.‬‬
   ‫لتتحول قضية أمة بأكملها إلى‬           ‫بغريزتها النملية أن الرجل قد‬                             ‫قصة «النمل والقات»‪:‬‬
  ‫مجرد رهان ولعبة بين عابثين‪.‬‬              ‫استوى خارج محيط اليقظة‬                           ‫هي أول ما يطالعك في بدء تلك‬
                                            ‫وأن المضغ قد توقف‪ ،‬رنث‬
                                          ‫إلى ضحكته العريضة البلهاء‬

                                       ‫الساكنة‪ ،‬ثم بدأت عملها الدؤوب‬
   217   218   219   220   221   222   223   224   225   226   227