Page 7 - merit 52
P. 7

‫افتتاحية ‪5‬‬

                ‫لا يتدبرون ما ينقلونه‪ ،‬لأن‬           ‫الإنسان وتطوره‪ ،‬والهدف من وجوده‬
               ‫تلك فكرة عبثية‪ ،‬فالذي خلق‬            ‫أسا ًسا؟ وكيف يجب على «المؤمن» –بأي‬
                ‫كل شيء وقدره تقدي ًرا هو‬           ‫ديانة إبراهيمية‪ -‬أن يتعامل مع تناقضها‬
                                                   ‫مع الاكتشافات العلمية؟ هذا –طب ًعا‪ -‬مع‬
                  ‫الذي جعل العقول تذهب‬          ‫افتراض أنه حرر عقله من التلقين والتقديس‬
                ‫إلى أفعال دون غيرها‪ ،‬لأنه‬          ‫المبدئي ال َق ْبلي‪ ،‬وقرر أن يتعامل مع العقل‬
               ‫هو الذي خلق العقول أص ًل‬         ‫والمنطق بشكل مجرد ووا ٍع‪ ،‬على صعوبة ما‬
                ‫–حسب روايتهم‪ ،-‬وجعلها‬             ‫أفترضه وأطلبه! فرواية الشجرة والتفاحة‬
                ‫غير متكافئة في القدرة على‬         ‫و»العصيان» الفردي الذي استتبعه عقاب‬
                ‫الفهم والإدراك‪ ،‬وبالتالي لا‬        ‫جماع ٌّي لكل البشر في كل تاريخهم الذي‬
               ‫تتقبل الأمور المختلفة بنفس‬         ‫يصل إلى ملايين السنين‪ ،‬ربما تصلح لأن‬
                ‫القدر‪ ..‬هذا –على الأقل‪ -‬ما‬          ‫تكون مثا ًل فقط‪ ،‬إذ إن التوقف أمام كل‬
              ‫أثبته العلم الحديث الذي فهم‬            ‫تفصيلة –كما سأفعل لاح ًقا‪ -‬سيبين لا‬
                                                ‫معقولية الرواية لو نظرنا إليها نظرة الواقع‬
                  ‫«المخ» ووظائفه وقدراته‪.‬‬            ‫الفعلي المؤكد‪ ،‬وعلى كل حال فهذا ليس‬
                                                ‫اكتشا ًفا يخص هذه الكتابة‪ ،‬بل هو رأي قاله‬
                ‫‪3‬‬                                  ‫كثيرون قبلي‪ ،‬لسوء الحظ ظلت رواياتهم‬
                                                   ‫هامشية أمام سيل إيمان جارف بالرواية‬
‫لماذا اختار «الله» أن ين ِّزل رسالته على البشر‬
  ‫متدرجة بواسطة عدة أنبياء ورسل وليس‬                                   ‫القرآنية بحرفيتها‪.‬‬
    ‫مرة واحدة برسول واحد؟ مع الأخذ في‬
       ‫الاعتبار موضوعين في غاية الأهمية‪:‬‬                       ‫‪2‬‬

‫الموضوع الأول‪ :‬أن الغاية من تلك الرسالات‬         ‫في الروايات الإيمانية نفسها فإن «الله» هو‬
 ‫بسيطة وليست معقدة لكي تشق على الناس‬                ‫القوي المسيطر العليم كل ُّي القدرة الواحد‬
‫وتحتاج إلى التجزيء‪ ،‬فالحق والعدل والخير‬
                                                  ‫الأحد الفرد الصمد‪ ،‬الذي إذا أراد شيئًا أن‬
    ‫والتعاون والتراحم ليست أمو ًرا خلافية‬        ‫يقول له كن فيكون‪ ،‬وهو الذي خلق الكون‪،‬‬
 ‫تحتاج إلى «وصلات» لكي تصل إلى المتلقي‪،‬‬          ‫ومن ثم خلق الإنسان وقدر له رزقه‪ ،‬وهو‬
                                                 ‫الذي «أوجد» له العقل الذي يميزه عن بقية‬
   ‫فلن تدعو إنسا ًنا إلى الحق ويدافع هو عن‬
    ‫الباطل‪ ،‬لن تدعوه للجمال ويقتنع هو أن‬             ‫المخلوقات‪ ،‬وهو –كذلك‪ -‬الذي رسم له‬
 ‫القبح أفضل‪ ،‬من الممكن أن يعاند في سلوك‬         ‫مسيرة حياته قبل أن يولد بملايين السنين‪،‬‬
   ‫طريق الحق لأنه يربح من طريق الضلال‬
 ‫أكثر‪ ،‬لكنه لن يجادلك في أن الضلال أفضل‬               ‫وإن أراد أن يجعل الناس كلهم جمي ًعا‬
    ‫من الحق‪ ،‬قد يزين لك أن «الضلال» هو‬           ‫مؤمنين لفعل‪ ،‬لكن «حكمته» هو وحده فقط‬
   ‫الحق‪ ،‬فنعود إلى النقطة السابقة عن خلق‬        ‫اقتضت أن يخلق الخير والشر‪ ،‬والصراعات‬
                                                 ‫والحروب والاقتتال للاستحواذ على المتوفر‬
        ‫العقل وقدراته والمسؤولية عن ذلك‪.‬‬
   ‫الموضوع الثاني‪ :‬هو أن الرسالات نزلت‬             ‫من طعام وشراب‪ ..‬ففيم –إذن‪ -‬يحاسب‬
    ‫على مجتمعات بدائية فقيرة‪ ،‬ناس قليلون‬           ‫العبد الضعيف على ما لا يد له فيه‪ ،‬وعلى‬
   ‫من حيث العدد‪ ،‬متباعدون من حيث مكان‬              ‫ما ُق ِّدر له مسب ًقا؟ ولا مجال هنا للحديث‬
 ‫الإقامة‪ ،‬لا تصل الأخبار من مكان لمكان إلا‬         ‫عن أن «العلم» الإلهي لا ينفي «الاختيار»‬
   ‫بعد عدة أشهر أو عدة أعوام‪ ،‬ومن الممكن‬           ‫الإنساني كما يذهب بعض الناقلين الذين‬
  ‫ألا تصل أسا ًسا‪ ،‬وبالتالي فإن التعويل على‬
   2   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12