Page 10 - merit 52
P. 10

‫اخترع التليفون والذي اخترع الكهرباء‪،‬‬              ‫لماذا يرتبط الإيمان والكفر –اللذين‬
    ‫والسيارة والطائرة‪ ،‬والمضادات الحيوية‪،‬‬
     ‫ونظرية النسبية التي ساهمت في إجلاء‬                      ‫لا ُيسأل عنهما الإنسان بنسبة‬
 ‫الغموض عن بعض الظواهر الكونية‪ ،‬والذي‬
 ‫ارتاد الفضاء وم َّكن الناس من رؤية الأرض‬                ‫كبيرة‪ -‬بشكلين شديدي "التطرف"‬
 ‫من ع ٍل‪ ،‬ورؤية الكواكب والمجرات الأخرى‪،‬‬
‫مما ساهم –ويساهم لا يزال‪ -‬في فهم الكون‬                ‫من الثواب والعقاب؟ فللمؤمن الجنة‬

                   ‫وحركته وطبيعته‪ ..‬إلخ‪.‬‬                ‫بما فيها من طعام وشراب وأنهار‬

                ‫‪7‬‬                                     ‫من اللبن والعسل‪ ،‬والنساء والجنس‬

      ‫لماذا لا يوجد كتاب واحد جامع وقاطع‬                ‫الذي لا مدى له‪ ،‬ولغير المؤمن النار‬
‫الدلالة يكون هو «الدين»‪ ،‬ويحتكم إليه الناس‬             ‫التي ُأشغلت لملايين السنين‪ ،‬وكلما‬

     ‫جمي ًعا دون اختلاف في التأويل؟ بمعنى‬                ‫نضج جلده ُب ِّدل بغيره لُيشوى من‬
     ‫أوضح‪ :‬كيف يكون الدين الواحد مئات‬                     ‫جديد إمعا ًنا في تعذيبه‪ ،‬ويكون‬
 ‫الأديان حسب تفسيرات واجتهادات مختلفة‬
     ‫حد التعارض‪ ،‬تصلح في الأمور اليومية‬                                ‫شرابه‪ ‬الزيت‪ ‬المغلي؟‬
‫العادية بينما لا يصح أن توجد في «تعليمات»‬
    ‫إلهية‪ ،‬يترتب عليها ثواب كاسح أو عقاب‬           ‫على الابتكار والفعل‪ ،‬إلى أدوات التعذيب‬
 ‫فظيع؟ وما الذي يضمن للفرد العادي الذي‬            ‫البشرية تلك؟ وهل المؤمن «الغافل» الذي‬
   ‫له عقل محدود القدرة أنه اختار الاختيار‬       ‫ص َّدق الرواية ببساطة ودون «وجع دماغ»‬
  ‫الصحيح من بين خطابات وتأويلات الدين‬          ‫أو دون أن يطرح عليها أسئلته وانشغالاته‪،‬‬
     ‫الواحد‪ ،‬ولا أقول الاختيار بين الأديان؟‬   ‫يستحق كل هذا النعيم مقابل كل هذا الجحيم‬
   ‫إن نظرة سريعة على واقع المسلمين اليوم‬        ‫للشخص المقابل الذي أقلقته بعض الأسئلة‬
 ‫ستوضح –دون عناء كثير ولا حاجة لتعمق‬
    ‫ولا فطنة‪ -‬أن ثمة اختلافات بين المذاهب‬                    ‫لم يجد إجابات مقنعة عليها؟‬
  ‫والشيع تعلو على الاختلافات بين الإسلام‬           ‫في هذه النقطة لا أتطرق لمن على صواب‬
  ‫والمسيحية واليهودية مث ًل‪ ،‬فالمسلم العادي‬        ‫أو من على خطأ‪ ،‬لكنني أسأل حول هذا‬
  ‫الوسطي الأشعري يرى أن الشيعة خوارج‬            ‫«التطرف» الكبير في الثواب والعقاب‪ ،‬الذي‬
 ‫ليسوا من الإسلام‪ ،‬والسلفيين يرون أن من‬        ‫«قد» لا يقابله إيمان حقيقي أو كفر حقيقي‪،‬‬
   ‫يقولون عن أنفسهم مسلمين ليسوا كذلك‬            ‫فالأول مؤمن بالفطرة فقط‪ ،‬بكسل ودون‬
  ‫بالفعل وإن أدوا الشعائر‪ :‬الصلاة والزكاة‬         ‫تدبر‪ ،‬والثاني متحير بأسئلة كثيرة‪ ،‬ولا‬
 ‫والصيام والحج والشهادتين طب ًعا‪ ،‬لأنهم لا‬
 ‫يقولون بالحاكمية (يراجع معالم في الطريق‬                             ‫يصل إلى حد الكفر!‬
   ‫لسيد قطب على سبيل المثال)‪ ،‬وكل هؤلاء‬        ‫وأتحدث أي ًضا عن «عدالة» الله‪ ،‬الذي سيمد‬
‫يرون أن الصوفيين عابثون أص ًل ويحولون‬          ‫الجنة تحت رجلي كسول ويغرقه في الملذات‪،‬‬
   ‫الشعائر إلى طقوس غريبة‪ ،‬وقل مثل ذلك‬
 ‫كثير عن ال ِف َرق التي قال عنها الرسول إنها‬        ‫في حين يمعن في التنكيل بآخر قرر أن‬
   ‫كلها في النار إلا واحدة‪ ،‬وهو حديث رواه‬          ‫يستخدم عقله –الذي خلقه الله وحدد له‬
                                                ‫قدرته‪ -‬وإن كان ناف ًعا للبشرية‪ ،‬مثل الذي‬
   5   6   7   8   9   10   11   12   13   14   15