Page 9 - merit 52
P. 9

‫افتتاحية ‪7‬‬

‫تم ِّكن الآخرين من قراءتها بدقة‪ ،‬كذلك الحال‬        ‫نبيهم وادعاء الآخرين للنبوة‪ ..‬فالأسئلة‬
   ‫بالنسبة للحضارات الأخرى التي أحاطت‬          ‫الإلهية هنا تبدو تعجيزية في مستوى المواطن‬

 ‫الجزيرة العربية‪ ،‬في الشام والعراق واليمن‪،‬‬         ‫النبي الذي ُرفع عنه الحجاب‪ ،‬أو المواطن‬
     ‫كما أن الفرس والروم تركوا مراسلات‬           ‫المسلم المصدق الذي لا يجادل ولا يناقش‪،‬‬
    ‫وحوليات‪ ،‬في حين أننا لا نجد أي أثر في‬
                                                    ‫بل يقبل ما يقال له على ع َّلته‪ ،‬أو “على‬
   ‫أرض صحراوية قاحلة جافة من المنطقي‬                          ‫العمياني” كما يقول العامة‪.‬‬
‫والطبيعي أن تحتفظ بآثارها‪ ،‬لأنه لا تتهددها‬
 ‫مياه جوفية مث ًل أو أ ٍّي من العوامل الأخرى‬                   ‫‪5‬‬

  ‫التي تفني آثار الحضارات‪ ،‬بل إننا لا نعثر‬        ‫يرتبط هذا السؤال بالسؤال السابق‪ :‬لماذا‬
 ‫على مكاتبة واحدة ولا رقعة من الرقاع التي‬        ‫لم يترك الأنبياء أي أثر يدل على وجودهم‪،‬‬
‫كتبت عليها آيات القرآن‪ ،‬بل لا نجد المصحف‬       ‫وينفي ما يثار عن كونهم اخ ُتلِ ُقوا –اختلا ًقا‪-‬‬
‫الأول نفسه‪ ،‬وندور في حلقة مفرغة مغمضي‬          ‫بواسطة أشخاص آخرين أرادوا استخدامهم‬
                                                  ‫للسيطرة على العباد؟ أو –على الأقل‪ -‬لكي‬
                                  ‫العيون‪.‬‬         ‫لا تتضخم سيرهم أو تتقزم وف ًقا لمصالح‬
   ‫اللافت هنا أن الخطاب الإيماني يهرب من‬          ‫دنيوية تخص الحكم والثروة والتحكم في‬
   ‫عدم وجود أي دليل أو أثر‪ ،‬بالقول إن من‬        ‫البلاد والعباد؟ وسؤالي هنا ليس غريبًا ولا‬
 ‫آمن ولم ي َر إيمانه أقوى ممن آمن بعد رؤية‬        ‫منفص ًل عن الواقع الذي نزل فيه الأنبياء‬
 ‫أو نتيجة لها‪ ،‬لأن الإيمان هنا يكون بالقلب‪،‬‬      ‫الذين نعرفهم‪ ،‬فالحضارة المصرية القديمة‬
                                                ‫مث ًل ‪-‬التي أقيمت قبل نزول الأنبياء بآلاف‬
     ‫ومع ذلك –للمفارقة‪ -‬ينزلون الصحابة‬           ‫السنوات‪ -‬تركت المعابد والنقوش والقبور‬
   ‫والتابعين منزلة مقدسة ويرفعونهم فوق‬           ‫والأدوات والكتابات التي تدل عليها‪ ،‬والتي‬
    ‫البشر العاديين بسبب أنهم «رأوا»! وهي‬
 ‫مفارقة تضاف إلى مفارقات كثيرة ملخصها‬

      ‫هو خطاب التبرير‪ ،‬أن يجد المرء إجابة‬
       ‫«مريحة» لكل سؤال‪ ،‬دون أن ينشغل‬
   ‫بالصورة الكلية للأسئلة والإجابات‪ ،‬وإن‬
 ‫كانت متسقة وتكمل بعضها حسب منظومة‬

                         ‫منطقية ما؛ أم لا!‬

            ‫‪6‬‬

 ‫لماذا يرتبط الإيمان الكفر –اللذين لا ُيسأل‬
    ‫عنهما الإنسان بنسبة كبيرة‪ -‬بشكلين‬
   ‫شديدي «التطرف» من الثواب والعقاب؟‬

 ‫فللمؤمن الجنة بما فيها من طعام وشراب‬
‫وأنهار من اللبن والعسل‪ ،‬والنساء والجنس‬

  ‫الذي لا مدى له‪ ،‬ولغير المؤمن النار التي‬
 ‫أُشغلت لملايين السنين‪ ،‬وكلما نضج جلده‬

    ‫ُب ِّدل بغيره ل ُيشوى من جديد إمعا ًنا في‬
   ‫تعذيبه‪ ،‬ويكون شرابه الزيت المغلي؟ هل‬
   ‫يحتاج «الله –بالفعل‪ ،-‬وبما له من قدرة‬
   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13   14