Page 13 - merit 52
P. 13

‫افتتاحية ‪1 1‬‬

    ‫المقدمة‪ ،‬آم ًل أن يتاح لي الوقت والقدرة‬       ‫بمعدل يفوق كل المعارف التي ح َّصلها‬
     ‫للتوقف عند كل منها في مبحث خاص‪،‬‬            ‫الإنسان طوال عمر الكون‪ ..‬والسؤال هنا‬
 ‫لأحاول سبر غورها وطرح أسئلتي عليها‪،‬‬
  ‫واستجلاء بعض جوانبها من كتب التراث‬              ‫بالتحديد يخص علاقة «المعارف» التي‬
‫نفسها‪ ،‬بد ًءا من القرآن نفسه‪ ،‬وليس انتهاء‬     ‫ُذكرت في الكتب المقدسة‪ ،‬خاصة في الأديان‬
‫بكتب الأحاديث والسيرة النبوية والتفاسير‬
   ‫والعقيدة‪ ،‬إضافة إلى كتب المحدثين‪ ..‬مع‬         ‫الإبراهيمية‪ ،‬بالعلوم والاكتشافات التي‬
   ‫التأكيد على أن ما أورده هنا يدخل تحت‬           ‫توصل لها البشر‪ ،‬فمث ًل مسألة معرفة‬
   ‫نطاق «الثقافة الدينية»‪ ،‬وليس الاشتغال‬          ‫نوع الجنين وهو في بطن أمه‪ ،‬وكشف‬
  ‫بالدين وأدبياته وما يسمى «علومه»‪ ،‬فما‬       ‫«حركة» الأرض ضمن المجموعة الشمسية‪،‬‬
‫يهمني –كمثقف‪ -‬هو تأثير «الثقافة الدينية»‬       ‫وأن الشمس لا تتحرك بل ثابتة في مكانها‬
  ‫على سير الحياة‪ ،‬وقد أثرت كثي ًرا وعطلت‬         ‫والكواكب هي التي تدور حولها وتدور‬
‫نهضة الدول التي رزحت تحت هذا التأثير‪،‬‬           ‫حول نفسها بنظام دقيق‪ ،‬وحقيقة وجود‬
                                              ‫سماوات سبع وأراضين سبع‪ ،‬وأن النجوم‬
                    ‫كما أتمنى أن أوضح‪.‬‬        ‫زينة ورجوم للشياطين‪ ،‬وإن كانت الأرض‬
       ‫وعليه؛ فإن هذه الكتابة لا ترمي إلى‬
 ‫التشكيك في السرديات الدينية –الإبراهيمية‬                      ‫مسطحة أم مكورة‪ ..‬إلخ‪.‬‬
 ‫تحدي ًدا‪ -‬اليهودية والمسيحية والإسلامية‪،‬‬     ‫هل يصمد الخطاب الديني حسب تفسيراته‬
      ‫ولا تقدم سردية جديدة مخالفة‪ ،‬ولا‬
    ‫تمتلكها أسا ًسا‪ ،‬ولا تهدف إلى إقناع أي‬      ‫التي يتناقلها الشيوخ من ‪ 1400‬عام؟ أم‬
  ‫أح ٍد بأي شيء‪ ،‬لأن كاتبها لا يمتلك يقينًا‬    ‫أن عليهم أن يغيروا خطابهم بآخر يتوافق‬
 ‫أص ًل‪ ،‬بل ويظن أن ليس ثمة يقين ليمتلكه‬
‫أي أحد‪ ،‬بل مجرد اجتهادات تقترب وتبتعد‬             ‫مع «حقائق» العلم‪ ،‬أم سنعيش في قلب‬
‫من وعن الصواب‪ ،‬وليس ثمة صواب كذلك‪،‬‬                ‫ازدواجية بين الدين والعلم كما يحدث‬
     ‫فالغاية هي تفكيك هذا الخطاب وإعادة‬       ‫الآن‪ ،‬فنصدق كلام الخطاب الديني لوحده‪،‬‬
    ‫النظر في أساسياته ومنطلقاته‪ ،‬ومن ثم‬          ‫ونتعامل بشكل مختلف مع العلم لوحده‬
  ‫إعادة تركيبه ما أمكن‪ ،‬وأظن أن هذا عم ٌل‬     ‫أي ًضا‪ ،‬كأنهما يدوران في فضاءين مختلفين‬
    ‫في غاية الأهمية‪ ،‬ليس الآن فقط‪ ،‬بل منذ‬     ‫لا يلتقيان ولا رابط بينهما؟ وإذا كان ذلك‪،‬‬
‫ألف سنة‪ ،‬إذا كنا نطمح بالفعل إلى أن تكون‬       ‫فإلى أي مدى يمكن أن تصمد تلك المعادلة‬
  ‫أمتنا متطورة‪ ،‬تشارك في صنع الحضارة‬              ‫المختلَّة بعوارها؟ وهل لا يرى الشيوخ‬
‫الكونية‪ ،‬ولا يعيش ناسها عالة على البشرية‬        ‫تلك القطاعات الكبيرة من المسلمين –ومن‬
     ‫يستهلكون أضعا ًفا مضاعفة أكثر مما‬         ‫الديانات الأخرى‪ -‬التي خرجت من الدين‬
   ‫ينتجون‪ ،‬ويختبئون وراء مقولات فارغة‬
 ‫عن أنهم أمة الله المختارة‪ ،‬التي ف َّضلها عن‬                  ‫ولم تعد تصدق خطاباته؟‬
 ‫العالمين‪ ،‬وأن ما أصابها من تراجع وهوان‬            ‫صحيح أن الباقين المقتنعين بالخطاب‬
‫إنما بسبب مؤامرات الآخرين‪ ،‬وليس بسبب‬
    ‫التواكل والتكاسل وعدم الإيمان بالعلم‬             ‫الديني أكثر من الخارجين‪ ،‬لكن هذا‬
                                                  ‫بمقاييس الآن‪ ،‬التي يمكن أن تتغير في‬
                 ‫باعتباره نقيضًا للإيمان!‬       ‫المستقبل‪ ،‬القريب أو البعيد‪ ،‬والصحيح –‬
                                                 ‫كذلك‪ -‬أن نسبة هائلة من الباقين تتلقى‬
                                               ‫الدين بكسل كما أسلفت‪ ،‬دون تدبر ودون‬
                                              ‫أن يعرضوا عليه أسئلتهم لأنهم لا يملكون‬

                                                                          ‫أسئلة أص ًل!‬

                                                              ‫***‬

                                                ‫هذه عشرة أسئلة أوردتها سري ًعا في تلك‬
   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17   18