Page 140 - merit 54
P. 140

‫وفرض رأيه‪ ،‬ول ْم يجد من يمانعه‬                               ‫العـدد ‪54‬‬                           ‫‪138‬‬
   ‫أ ْو يقاومه‪ ،‬بمنع إنشاء أوقاف‬
                                                                             ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬    ‫توريثها‪ ،‬وتتحمل الدولة نفقات‬
 ‫جديدة اعتبا ًرا من تاريخ صدور‬                                                           ‫المحافظة على المساجد والمؤسسات‬
                  ‫ذلك الأمر(‪.)68‬‬    ‫علي كان يحابي أصحاب (البيوت‬
                                        ‫الصوفية) ذات المكانة الكبيرة‬                       ‫الخيرية(‪ .)65‬وسرعان ما أخذت‬
 ‫ومما يثير الدهشة‪ ،‬أنه ل ْم تحدث‬                                                            ‫تتضاءل قيمة المعاشات بسبب‬
‫معارضه من جانب العلماء وأفراد‬        ‫أكثر من عامة الناس‪ ،‬بأن يجعل‬                          ‫وفاة مستحقيها وتؤول الأموال‬
                                        ‫هناك خي ًطا متص ًل بهم‪ ،‬لأنه‬
     ‫المجتمع بعد أمر المنع؛ ولكن‬                                                                        ‫إلى خزانة الدولة‪.‬‬
    ‫هيهات أين هم العلماء؟ وأين‬       ‫وبالجملة لا يستطيع أن يستغني‬                           ‫وفي تقديرنا؛ أ َّن سياسة محمد‬
     ‫المعارضة؟ لقد توارى الجيل‬                        ‫عن خدماتهم‪.‬‬
  ‫الذي كان يحمل جينات العلماء‬                                                                  ‫علي تجاه الأوقاف تبدو في‬
 ‫الأقوياء الثائرين‪ ،‬ول ْم يعد هناك‬        ‫ح ًّقا لقد نجح محمد علي في‬                        ‫ظاهرها ‪-‬مع التحفظ الشديد‪-‬‬
 ‫على الساحة من يجادل ويحاقق‪،‬‬           ‫إبعاد علماء الأزهر عن التدخل‬                         ‫متناقضة نو ًعا ما‪ ،‬يتضح ذلك‬
  ‫ب ْل ك ٌّل انغلق على نفسه وكفاها‬    ‫في الشئون العامة‪ ،‬ولم يعد لهم‬                       ‫من خلال أوامره المتضاربة التي‬
   ‫شر المصادمات مع السلطة؛ أ ْو‬                                                          ‫كان يصدرها كل فترة بخصوص‬
                                         ‫القدرة بعد ذلك على مواجهة‬                          ‫الأوقاف‪ ،‬فتارة يسمح للبعض‬
         ‫بالأحرى مع ولي النعم‪.‬‬         ‫السلطة في قراراتها التي تمس‬                         ‫بعدم أخذ ضريبة على أوقافهم‪،‬‬
   ‫نخلص من ذلك‪ ،‬أ َّن محمد علي‬      ‫مصالحهم‪ ،‬وعندما أخضع الباشا‬                              ‫وتارة أخرى يأمر بعدم وقف‬
   ‫استطاع أ ْن يبسط يده على كل‬         ‫أوقاف الأزهر الشريف‪ ،‬فشل‬                             ‫آخرين لاقتناعه بأنهم يهربون‬
  ‫أراضي القطر المصري بما فيها‬        ‫العلماء في الدفاع عن استقلاليته‬                      ‫من الضريبة‪ ..‬فقد سمح في عام‬
    ‫أراضي الأوقاف؛ وأ ْن يفرض‬
    ‫عليها الضرائب‪ ،‬ويقضي على‬                ‫بعي ًدا عن سيطرة الإدارة‬                         ‫‪ 1827‬بعدم أخذ ضريبة على‬
                                       ‫الحكومية‪ ،‬مما سبب نو ًعا من‬                          ‫تسعة قراريط خاصة بأوقاف‬
     ‫جميع المعارضين والمناوئين‬      ‫الأضرار أصاب العلماء والطلاب‪.‬‬
       ‫لسياسته‪ ،‬وبذلك خضعت‬          ‫ويبدو أ َّن مؤسسة الأوقاف كانت‬                             ‫السادات الوفائية‪ ،‬كائنة في‬
                                         ‫(تؤرق) فكر محمد علي طيلة‬                            ‫إحدى قرى الغربية(‪ ،)66‬وبعد‬
‫الأوقاف لأول مرة في تاريخها إلى‬     ‫جلوسه على أريكة الحكم‪ ،‬وظل في‬
     ‫سياسات الحاكم وتوجهاته‬          ‫صدام مستمر مع هذه المؤسسة‬                                 ‫ست سنوات في عام ‪1833‬‬
                                        ‫‪-‬وظلت سياسته مرتعشة أ ْو‬                               ‫أصدر أم ًرا ينص على «عدم‬
                                     ‫متقلبة تجاهها‪ -‬ولم يهدأ له بال‬                         ‫الموافقة على وقف بعض الناس‬
                                       ‫أ ْو يشعر بالراحة‪ ،‬حتى أصدر‬                             ‫أموالهم وأملاكهم»(‪ )67‬وهذا‬
                                     ‫أم ًرا في ‪ 9‬رجب سنة ‪1262‬هـ‪/‬‬                             ‫التناقض يوضح لنا أ َّن محمد‬
                                       ‫‪1846‬م‪ ،‬بعدما استفحل أمره‪،‬‬
   135   136   137   138   139   140   141   142   143   144   145