Page 144 - merit 54
P. 144

‫العـدد ‪54‬‬                            ‫‪142‬‬

                                     ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬

                                             ‫جمال عمر‬

 ‫الصراع بين تديين‬
‫السياسة‪ ..‬وتحديث‬

      ‫الفكر الديني‬

   ‫راسخة‪ ،‬لكن هذه الثوابت ُيعاد‬          ‫إلخ‪ ،‬ونتيجة لعمليات ممارسة‬         ‫الرابضة تحت السطح‬               ‫الفكرة‬
     ‫فهمها ويعاد توظيفها حسب‬               ‫الفكر بآليات السياسة‪ ،‬التي‬           ‫في الاختلاف بين‬
     ‫متغيرات كل عصر‪ ،‬فيصبح‬
                                     ‫حولت التفكير إلى عمليات سجال‪،‬‬        ‫التيارات وبين الجماعات‬
 ‫تصور الإسلام عبارة عن ثوابت‬             ‫لم نفكر بعمق في الأصول وفي‬        ‫والاتجاهات الفكرية في‬
    ‫ومتغيرات‪ .‬فهو تيار (تحديث‬
     ‫الفكر الديني والمجتمع)‪ .‬لكن‬       ‫العلاقة معها‪ .‬فاكتفينا بأن نترك‬       ‫فكرنا الحديث‪ ،‬حول‬
                                        ‫ماكينة التفكير عمو ًما‪ ،‬والتفكير‬  ‫الفكر الديني‪ ،‬يمكنني أن‬
  ‫داخل تيار الإصلاح ذاته تما ُيز‪،‬‬     ‫في الدين تحدي ًدا‪ ،‬نتركها كما هي‬     ‫ألخصها في الخلاف حول تصور‬
‫فلو أخذنا‪ ،‬مثا ًل لهذا التيار‪ ،‬جمال‬  ‫ونتعامل فقط مع مخرجاتها قبو ًل‬
‫الدين الأفغاني الحسيني (‪-1837‬‬        ‫ورف ًضا وإعادة توظيف لها وإعادة‬        ‫كل منهم حول‪ :‬ما هو الإسلام؟‬
                                                                              ‫والسؤال رغم بديهيته‪ ،‬لم يلق‬
   ‫‪ )1897‬ومحمد عبده (‪-1849‬‬                             ‫تعبئة وتغليف‪.‬‬         ‫اهتما ًما كبي ًرا‪ .‬تحديات العصر‬
‫‪ ،)1905‬نجد أنه رغم تلمذة عبده‬        ‫فإذا كان الاتجاه السلفي التقليدي‬          ‫الحديث فرضت إعادة النظر‬
‫على الأفغاني‪ ،‬إلا أن هناك اختلا ًفا‬                                          ‫في الإجابات القديمة‪ ،‬والمفاهيم‬
‫بينهما في التوجه‪ ،‬نتيجة لاختلاف‬          ‫والسلفي الجهادي‪ ،‬تصورا أن‬
  ‫تجربة كل منهما‪ .‬فالأفغاني ابن‬       ‫الإسلام ثابت‪ ،‬لا يتغير وعلينا أن‬    ‫القديمة‪ ،‬ونتيجة لعمليات رد الفعل‬
                                     ‫نعود إليه ونستعيده ونفرضه على‬        ‫التي نمارسها خلال الثلاثة قرون‬
   ‫لتجربته في بلاد الأفغان وبلاد‬     ‫المجتمع‪ ،‬ولو بالقوة‪ ،‬لمواجهة البدع‬
  ‫الهند‪ ،‬فقد فقدت أسرته نفوذها‬                                              ‫الماضية‪ ،‬كانت مراجعاتنا عبارة‬
 ‫السياسي‪ ،‬وهو كذلك فقد نفوذه‬            ‫التي تفشت ولإصلاح المجتمع‪،‬‬         ‫عن تجاور قديم إلى جوار جديد‪،‬‬
   ‫السياسي‪ ،‬تحت تأثير التغلغل‬          ‫ليصبح اتجا ًها أقرب إلى (أسلمة‬
 ‫الغربي لبلاد المسلمين سواء عبر‬                                              ‫أو عبارة عن تلفيق؛ عبر تعبئة‬
                                         ‫المجتمع)‪ .‬فان اتجاه الإصلاح‬      ‫القديم في زجاجات جديدة‪ .‬أو عبر‬
                                      ‫الديني تصور أن للإسلام ثوابت‬
                                                                             ‫تمرير الجديد بمبررات تراثية‪..‬‬
   139   140   141   142   143   144   145   146   147   148   149