Page 146 - merit 54
P. 146
العـدد 54 144
يونيو ٢٠٢3
الأزهرية قد واجهت عقبات مات الفقه المقارن في الأزهر علي يد أعلى تعلي ًما وتربي ًة وانفتا ًحا على
على أثرها كم ًدا. تلميذه شيخ الأزهر مصطفى العصر وعلومه ،فركز هذا التيار
المراغي ( .)1945 -1881وفي
غير أن البذور التي بذرها نبتت مجال العقائد حاول محمد عبده على محاربة الجمود الفكري
بعدها بعقود .ومن عباءته خرجت الاعتماد على تصورات المعتزلة بإعادة فهم الأصول طب ًقا لمتغيرات
عن العدل الإلهي ،وربط المعتزلة
اتجاهات كثيرة للعمل من داخل بين الظواهر في الكون بروابط العصر .ولم يركز على الجوانب
أنظمة الدولة .تقوم على إعادة ضرورية ،وعبر تصورهم لطبائع السياسية ،فمثل السيد أحمد
فهم الثوابت طب ًقا لمتغيرات الأشياء ولسنن الله الثابتة في
الكون وفي الحياة .بخلاف المذهب خان ( )1898 -1817قد سعى
العصر .سواء في مواجهة الجمود الأشعري الذي لا يجعل للكون لإنشاء مدرسة تحولت إلى جامعة
والتقاليد الاجتماعية ونقدها، أو للإنسان تقريبًا فاعلية إلا “عليكرة” ،وسعى لإحياء نهضة
عن طريق مقولة الكسب ،وأن
والعودة للقرآن وليس لمقولات الفاعل على الحقيقة هو الله .فلكي أدبية في اللغة الأردية ،وقدم
الفقه في قضايا المرأة مع قاسم يمكن الموافقة بين المفاهيم الدينية تفسي ًرا جدي ًدا للقرآن ،ورد على
التراثية ،حول أن الله هو الفاعل كتابات المستشرقين عن النبي
أمين ( ،)1908 -1863أو في على الحقيقة ولا حاد لقدرته محمد .وسار في هذا المسير أبو
فكرة التواصل مع تراث اليونان من قانون ،أو لفعله من عائق؛
القديم ومع فكرة جامعة مصرية وبين ُمنتجات العلم الحديثة في الكلام أزاد ()1958 -1888
مجالات دراسة الطبيعة والأحياء والذي كان أول وزير معارف في
لكل المصريين وليست فقط والإنسان ،وقوانينها التي أنتجتها، حكومة الهند بعد استقلالها عن
الجامعة الإسلامية مع أحمد فقد جاور محمد عبده بين مفهوم
لطفي السيد (،)1963 -1872 العدل في خلق الأفعال عند المعتزلة إنجلترا لمدة عشر سنين حتى
أو سواء مسألة تحديث الدراسة وبين التصورات عن توحيد الله في وفاته.
في الأزهر وعدم التقيد بمذهب،
وأن نأخذ من المذاهب المختلفة المذهب الأشعري. في بلاد العرب كان هذا الاتجاه
مع مصطفى المراغي (-1881 ورغم التجاور والتلفيق في خطاب متجس ًدا في فكر محمد عبده
،)1945ومن بعده مع محمود ( ،)1905 -1849وعبده لم
شلتوت ( ،)1963 -1893أو في محمد عبده فقد استطاع بذر يشترك في ثورة عرابي إلا لما
إحياء تراث الفلاسفة المسلمين بعض البذور المهمة ،من خلال
وعلم الكلام في أوقات نضارته دروس التفسير التي كان يقدمها دخلت القوى الغربية في الصورة،
مع مصطفى عبد الرازق (-1885 فرغم تلمذته على الأفغاني وتأثره
،)1947ومن بعده عثمان أمين في الرواق العباسي بالأزهر،
( )1987 -1905داخل الجامعة، وتركيزه على أن المصحف كتاب به ،إلا أن عبده كان يرى الأمر
أو في مسألة الخلافة ونظام الحكم هدي ،وليس كتاب في الكيمياء ولا ليس ُمختص ًرا في السياسة ،بل
علي عبد الرازق (.)1966 -1888 الطبيعة ولا كتاب في السياسة أو
وبنا ًء على جهود محمد عبده -وإن في التجارة .وأي ًضا ركز عبده على الموضوع أعمق من ذلك ،فهو
لم يدرسوا عليه مباشرة -سعى أن القرآن لم يأت ليخبرنا بتاريخ، حضاري وثقافي بتعبيراتنا نحن
طه حسين ( )1973 -1889إلى الآن ،أو بعبارة أخرى هي مشكلة
الاستفادة من مقولاته حول كون بل إن القصص في القرآن هو
القصص تمثيلات ،وبنى عليها تمثيلات للعظة والعبرة الدينية جمود فكري وتقليد وضعف
أمين الخولي ()1966 -1895 وليست تاري ًخا .وإن كانت جهود تعليم ،وتربية فكرية .فكان
منهج الدرس الأدبي للقرآن محمد عبده في إصلاح المؤسسة
الكريم ،ومن بعده تلميذته عائشة سعي عبده أقرب لمحاولة تحديث
عبد الرحمن ()1998 -1913 الفكر (الإسلامي) ،عبر تجديد
اللغة العربية والبلاغة العربية
ودراستها ،وعبر الخروج من أسر
المذهبية الفقهية وضيقها ،بأن
يأخذ الفقه من كل المذاهب الفقهية
ولا يتقيد بمذهب واحد ،الذي
تجسد بعدها بعقود في تخصص